خلفيات لصمت الأحزاب وقوى المجتمع المدني عن هرج السلاح الأخير بالعاصمة
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
كتبت هنا استنكر صمت الأحزاب ومنظمات المجتمع والحكومة وطوائف من المسلحين تفد إلى الخرطوم على بينة اتفاق جوبا للسلام. وجاءت هذه الطوائف لتحتل ميادين ومبان في الخرطوم في ما عرفنا لأن الحكومة لم تلتزم بجدولة استيعابها المنصوص ليها في اتفاق الترتيبات. ولا أعرف لم اتفق لهذه الحركات الاحتجاج على مطل الحكومة بالوفود على أية حال ومحل ما تمسى ترسى. واستنكر قادة الحركاتعلينا شجب تشردها هذا في الساحات العامة ونسبته إلى حزازات وما أشبه. وحرفت الكلم. فنحن لم نرغب سوى في مدينة منزوعة السلاح وبخاصة ذلك اذي بيد قوات مليشيا لم تحسن حتى إلى واحدها إلى الآخر في الخلاء. يكفينا هرج سلاح الدعم السريع الذي تعرفه الحركات المسلحة بأفضل مما نعرف.
صمتُ صفوة الرأي والسياسية في الخرطوم عن أخذ الحركات المسلحة بالشدة لخروقها صمت قديم. وأنشر أدناه كلمة في نقدهم على صمتهم الجليل والعدل والمساواة تغزو الخرطوم في ١٠ مايو ٢٠٠٨. فانتقدتُ في الكلمة “حار حار” الهيئة الوطنية لحماية المتأثرين ب”كعة “أم درمان (وهي عبارة البوني في وصف تلك الغزوة) لصب جام نقدهم على الحكومة (وهو صب في مكانه) بينما أعياهم عتاب العدل والمساواة التي غزت الخرطوم منتحرة، وتركت وراءها خرائب من قتلى ومعتقلين ونكسة في مناخ الحريات السياسية. وهي الخرائب التي نهضت تلك الهيئة الوطنية “لتكفينها”. وكان نبلاً كبيراً من تلك الجماعة المتطوعة لا أعتقد أن العدل والمساواة تذكره لهم
وتقع كلمتي في سياق نقدي الذي لم ينقطع لمن اختاروا التكتيك المسلح جزافاً في مواجهة الإنقاذ بديلاً للمقاومة المدنية. فأخذت على تلك الهيئة أنها حين احسنت الاعتراض على شغب الحكومة بحق المتأثرين امتنعت عن لوم حركة العدل والمساواة على تصعيدها الحرب بغير مردود عسكري أو سياسي مكافئ لترويع السكان الآمنين. إلى الكلمة القديمة:
لو عرض عليّ مؤسسو الهئية الوطنية للحماية والدفاع عن المتأثرين بأحداث 10 مايو مذكرتهم المنشورة بالصحف وغيرها للتوقيع عليها لراجعتهم في جوانب هامة منها. فقد أصابت المذكرة في مطلبها من الأجهزة الأمنية أن تتوقف من ملاحقة من تتهمهم بالضلوع في غزوة أم درمان على أساس السحنات وملامح الإثنية خاصة من مواطني دارفور المقيمين بولاية الخرطوم. واستنكرت المذكرة الحملات الإعلامية التي غذت حملات التفتيش والقبض والتعذيب والاغتيال على الهوية الذي هو انتهاك صارخ للدستور الانتقالي وحكم القانون ومعايير العدالة. وثَمَّنتٌ أيضاً أنها نذرت نفسها لتوفير أسباب الدفاع أمام المحاكم للملاحقين بسبب وقائع 10 مايو، ومن هم في الأسر وسيقدمون للمحاكم.
كلام زي الحلاوة. ما أزعجني في بيان هؤلاء القانونيين وصانعي الرأي ونشطاء حقوق الإنسان صمتهم القريب من المؤبد عن تحميل حركة العدل والمساواة جناح بعوضة من وزر ما هم بصدد فعله لحماية جماعة مخصوصة من المواطنيين. فلما خطرت لهم فعلة العدل والمساوة بنوا إدانتهم لها على العموم أو المجهول. فقالوا إنهم يدينون صريحاً تعريض المدنيين (سواء في العاصمة القومية أو في مناطق القتال) للعنف لما فيه إنتهاك صريح للقانون المحلي أو الدولي. وغريب أن لا يخص قادة الرأي هؤلاء العدل والمساواة بذكر . . أي ذكر. فهي ربما عندهم معفاة من الالتزام بالدستور الإنتقالي الذي شددوا على الحكومة الالتزام به آية وشكلة. ورقصة التانجو بحاجة إلى راقصين لكي تتحقق.
هذا بلع ذمة بالواضح. وسببه لا يحتاج لدرس عصر. فصاغة العريضة معارضون رسميون أشاوس للإنقاذ. وهذا عمل يكفله الدستور أو يكاد. ولكن كانت غريزة المقاومة وحدها ما حركهم لإبداء هذه الغيرة دفاعاً عمن هم موضوع ملاحقة الحكومة حالياً: الأبرياء منهم ومن قد تنهض تهم بحقهم في المحاكم. ولو كان صاغة العريضة من صانعي الرأي حقاً كما يزعمون لعابوا على العدل والمساواة خرق الدستور الانتقالي وتعريض أمن المواطنين من دارفور والعاصمة القومية لضروب شتى من الخطر. وهذا باب في التربية إن خلا منه صانع الرأي صارت صناعته للرأي هي الحرب بصورة أخرى للنظام الذي يبغضه. فلو قسطوا لوسعوا من دعوتهم للمعاني الغراء في مذكرتهم بجذب آخرين من أمثالي يريدون “وزنة بلوفة” المذكرة حتى تحيط بالواقعة وأسبابها وأدوارها باستقامة.
وسنرى أن قادة الرأي جعلوا عدوان المركز حصرياً على دارفور حتى استصحبوا لتقوية حجتهم هجوم الحركة الوطنية على الخرطوم في ١٩٧٦ التي عرفت ب”غزوة المرتزقة” وغالب بيادتها من الغرب. وصورت الهيئة الوطنية الأمر كأنه فظاظة مركز شمالي ضد هامش دارفوري. ونسيت مثل ٢٢ يوليو ١٩٧١ الذي صرع فيها المركز قوى معارضة من الشمال لم يرع حرمة لها نسب أو جهوية. وجاء ببشاعات لم يرتكبها لا في ١٩٧٦ ولا في ٢٠٠٨. ونعود لذلك.