رؤى الإمام الصادق حول المرأة (1)

0 53
.

مدخل
الإمام الصادق المهدي عليه الرضوان من أبرز المجددين الإسلاميين في السودان في الثلث الأخير من القرن العشرين والخمس الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد واجهتني في هذه الورقة، مثل دراساتي السابقة لفكره مشكلة اختزال الكم الهائل من الكتابات والقضايا التي تطرق لها في مبحث محدود.
لقد أثبت في تلك الدراسات أنه يشكل حلقة ثالثة في الفكر المهدوي، إضافة لتأثره بمفكرين وفلاسفة مسلمين وغربيين رصدتهم في مجالات أخرى.
كانت المهدية خطوة راديكالية في تثوير الاجتهاد الإسلامي ونبذ التقليد قامت على مباديء أهمها:
– إحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما.
– إلغاء المذاهب والطرق ونبذ التقليد وإسقاط اجتهادات الأقدمين كافة.
– تأكيد الحركة في الأحكام باعتبارها دائرة مع ظروفها ومتغيرة بحسب الزمان والمكان على نهج “لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال”. “ولكل حال وبلد وزمان ما يليق به. “.
– الإبداعية في فقه التنزيل لمزاوجة الواجب بالواقع.
– التعويل على المصالح، والشورى المسنونة، والإلهام، والحكمة في سن الأحكام.
وقد اهتدى الإمام الصادق بذلك النهج وطوره، كما أخذ من نهج الإمام عبد الرحمن المهدي أسلوب الانفتاح على العصر وعلومه، ومراجعة العزلة التي فرضتها المهدية في التعامل مع الآخر الملي والدولي والمذهبي.
ظلت قضية المرأة من أهم ميادين التجديد التي اهتم بها الإمام عليه الرضوان. ففي كتاب “العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي” فصل بعنوان “موجبات الاجتهاد الجديد ووسائله” قال فيه إن الأحكام التي اتفق عليها جمهور الفقهاء في كثير من القضايا لا تلائم عصرنا مما يوجب اجتهاداً جديداً مورداً سبع قضايا تدل على أن ما اتفق عليه الجمهور لا يلائم عصرنا، ومن ضمنها الأحكام الخاصة بالمرأة، وذهب إلى أن نصوص ومقاصد الشريعة أوسع من الأحكام التي استنبطها الجمهور مما يتيح المجال للاجتهاد الجديد. فالفقهاء قاموا باستنباط أمين للأحكام متأثرين بظروف زمانهم، ومع أنها كانت آية في الدقة والعدالة، إلا أن ما اتفق عليه الجمهور وارد مخالفته من نصوص الشريعة الإسلامية لأنها أوسع من فهم البشر لها. وقال إن تراث الفقه نما لصيق الصلة بعصره لكن التقليد أخرجه من حجمه التاريخي وأحاطه بقدسية كأنه الشريعة نفسها “وفي هذا ظلم للفقه لأنه يلبسه جلباباً أوسع منه، وظلم للشريعة الإسلامية لأنه يلبسها قميص حديد من صنع البشر” .
وسوف نتطرق في هذه الورقة للتعريف بملامح منهجه التجديدي، وأهم كتاباته في القضية النسوية، ومداخله الأنطولوجية والابستمولوجية لها، متعرضين لرؤاه في عدد من القضايا التي نراها مهمة ولآثار ومترتبات فكره بشأن المرأة ثم نخلص إلى أهم التوصيات.

(1) ملامح المنهج التجديدي للإمام
إنَّ أهم سمات منهج الإمام الصادق المهدي التجديدي في قضية المرأة وفي غيرها هي:
أولاً: استبدال المنهج الصوري بمنهج مقاصدي: منادياً بالتخلي عن المنهج الصوري القائم على القياس والإجماع، واستبداله بمنهج مقاصدي يقوم على اتباع قطعيات الوحي أي النصوص قطعية الورود والدلالة في الكتاب والسنة، واستعمال التدبر والحكمة والقسطاس والميزان والمصلحة.
ثانياً: التوفيقية: يتخذ الإمام الصادق منهجاً توفيقياً جدلياً لحل المتناقضات، وفي كتاباته تنبيه مستمر لتحالف الغزاة والغلاة، والانكفائيين على الماضي والمستلبين للغرب، وهكذا. الشاهد، أن هذه التوفيقية تلقي بظلالها على رؤاه وفتاواه بالنسبة للمرأة.
ثالثاً: نظرية الوسع: ينظر الإمام الصادق للقضايا مثلاً تطبيق الأحكام الإسلامية، ضمن معرفة الواجب والواقع والمزاوجة بينهما للوصول إلى أفضل الممكن، وذلك باتخاذ تكتيك يحافظ على الأهداف العليا ضمن إستراتيجية معلومة، إستراتيجية تعمل على اتباع الهدي الإسلامي وتثمير ديناميكية الإسلام في نهضة الأمة. لقد شرح أن هامش التكتيك واسع النطاق جداً، ويعتمد على الوسع والممكن. إنه لا يتحدث عن حكم واحد لكل بلد وكل مجتمع بل ينطلق من وسع ذلك البلد، وما تتيحه ظروفه.
رابعاً: الشمول والتوازن: وفي ذلك فإنه يقول إن الجدية تعني الإحاطة. وينتقد التركيز على جانب وحيد في أي أمر وإهمال الجوانب الأخرى باعتباره نهجاً يدرك شيئاً وتفوت عنه أشياء.
خامساً: المواكبة والتطور: مثلما طوّر الإمام الصادق رؤيته للحاجات الضرورية للإنسان، فقد طور في فقه المرأة، وفي نظرته لتطبيق الشريعة، وفي غيرها من القضايا التي يتابعها فهو دائب الرفد من خبرته الخاصة، ومن تعليقات الآخرين ونقاشاتهم إذ يحرص على الاطلاع على وسائل الإعلام المختلفة يومياً محلياً وعالمياً مما يجعله مواكباً باستمرار للأفكار والمصطلحات يهضمها في خطابه. وقد أشار لتطور فكره عن المرأة في مقدمة كتابه “حقوق المرأة الإسلامية والإنسانية”، ويبدو ذلك بالمقارنة بين فصول الكتاب الأولى التي كتبت عام 1985م وأدرجت كما هي تقريباً، وبين الفصول الأخيرة التي كتبت في أزمان لاحقة، باتجاه درجة أعلى من المساواة النوعية وترتيبات صونها. وهي مسألة مطردة إذ يقول: نتجدد حتى لا نتبدد.
سادساً: الوعي بالتاريخ، دروسه ومضابطه: في ذهن الإمام الصادق وفي مجمل عطائه الفكري وعي شديد بالتاريخ، أما الوعي بدروس التاريخ فيتمثل في حضور أحداث التاريخ بشكل دائم، وذكره لسوابقه وأمثلته في حججه، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) .
ثامناً: التجديد في اللغة: يكتب الإمام الصادق بلغة بعيدة عن التقعر والتعقيد ولكنها مركزة بشكل كبير، ولعله تأثر في ذلك بدراسته في جامعة غربية مرموقة (جامعة أوكسفورد)، والغربيون يكتبون بصورة تزن الكلمات وتبتعد عن الحشو، وطبعاً تخلو من أساليب عصور الانحطاط الإسلامي من تصيد للطباق والجناس والمحسنات البديعية حيث كانوا يعتنون بها أكثر من المعنى.
تاسعاً: الشورى: كثيراً ما اتبع الإمام الصادق الشورى في إصدار رؤاه التجديدية. ففي الغالب الأعم لا يصدر كتاباً أو يلقي خطبة أو أي إصدار في قضية ذات أهمية، خاصة إذا كانت مستجدة، بدون أن يجري نوعاً من الشورى، وحينما كتب أول أدبياته المتخصصة في قضية المرأة بعنوان “المرأة وحقوقها في الإسلام”، وزع نسخاً منه وهو مطبوع بالرونيو على عدد من النساء في الكيان خاصة الكادر الشبابي ليستأنس برأيهم، وأذكر حينها أني كنت طالبة بالثانوي حينما سلمني إحدى النسخ وطلب مني الرأي.

(2) كتابات الإمام في القضية النسوية
ذكر الإمام الصادق المهدي عليه الرضوان في مرات عديدة أن مدخله للقضية النسوية كان احترامه لوالدته السيدة رحمة عليها الرحمة الأمر الذي جعله يلفظ مقولات الدونية المرتبطة بالمرأة بعمومها .
ويمكننا تتبع الأثر الذي أحدثته رؤى السيد الصادق التقدمية في هذا الصدد في الفرق بين ما نص عن المرأة في برنامج (نحو آفاق جديدة) عام 1965م، وما ذكر حول المرأة السودانية في برنامج (إصلاح وتجديد) عام 1967م. في كليهما نص على الاهتمام بالمرأة وتعليمها، ولكن في برنامج إصلاح وتجديد جاءت النصوص أكثر تقدمية وتفصيلاً فنادت، ضمن أشياء أخرى، بالأجر المتساوي، وكفالة حق التعليم والتدريب للمرأة، وتنظيم قوانين العمل للمرأة حتى لا تضار بسبب الأمومة، وإجراء تعديلات في قوانين الضرائب لتشجيع الحياة الزوجية، وحماية حقوق المرأة كمواطن من التغول، وكفالة حق الرفض أو القبول للنساء في الزيجات، وأن يكفل في عقد الزواج إمكان المرأة المطالبة بالطلاق وتقييد الرجل في الطلاق منعاً لاستهتار البعض، و” تقييد حق تعدد الزوجات فلا يسمح به إذا لم تتوفر القدرة بأنواعها المختلفة عليه وإذا لم تتوفر الأسباب المعقولة له” . كان السيد الصادق آنذاك رئيس الحزب المنتخب منذ نوفمبر 1964م، لكن البرنامج الأول صيغ في إطار حزب الأمة الموحد بكافة تياراته المحافظة والتقدمية، بينما صيغ البرنامج الأخير بعد خروج المحافظين وصياغتهم لدستور يقوض أسس العمل الديمقراطي في الحزب وينصب إمام الأنصار زعيماً ذا كلمة عليا في كل الشؤون . ولا شك كان للسيد الصادق أثر غير منكور على أفكار جناح الحزب التقدمي واتجاهه نحو تفصيل حقوق النساء والسعي لتمكينهن.
لكن أولى كتابات السيد الصادق بيدي حول المرأة كانت ضمن محاضرته بعنوان “الإسلام والتحول الاجتماعي” أمام المعهد البريطاني للشؤون الخارجية عام 1979م. ألقى فيها بالضوء على اختلاف أحكام فقهاء المسلمين الخاصة بالمرأة تأثراً ببيئاتهم، وتحدث عن مرونة الإسلام وذكر أن البعض يرميه بتعويق التحول الاجتماعي العصري في بعض الجوانب ومنها مسألة المرأة، وفند تلك المقولة مناقشاً حيثياتها لدى أصحابها المتمثلة في تعدد الزوجات، ونصف الشهادة ونصف الميراث للنساء. وجاء في المحاضرة برؤى مجددة في هذه القضايا تشكل النواة الأولى لرؤاه التي سنبحثها بشيء من التفصيل أدناه.
وفي 1981م أصدر الحبيب (منشور العادات) الذي تطرق فيه لقضايا تهم النساء وتعيق أداءهن في السودان بشكل رئيسي، مستنداً على مقاصد المصلحة والعدل وإزالة الضرر ورفع الحرج وسد الذرائع، داعياً إلى تسهيل الزواجات بوقف المباهاة في الأعراس وألا يتجاوز الصرف أبداً ” مبلغ خمسمائة جنيه سوداني يتراضى الناس فيما بينهم دونه ولكن لا يتجاوزونه.” وحول المآتم أن تنحصر المواساة في ثلاثة أيام في غير ساعات العمل أي الأمسيات، ولا يفرش لخبر بل يكون الفراش المحدود في بلد الدفن، وتنطبق فترة الثلاثة أيام على الرجال والنساء أيضاً، ومراجعة نظام العدة قائلاً: “أهل السودان يعاملون المعتدة عن وفاة زوجها معاملة قاسية ليست من نظام ولا مقصود الشرع الإسلامي، فالشريعة تسمح للمعتدة أن تتحرك في قضاء أغراضها وأعمالها وتمنعها فقط من الزينة والاختلاء بغير محارمها من الرجال وأن تتعرض لخطبة الزواج”. كما ذم تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل. وذم ما يسمى بالخفاض الفرعوني واعتبره “ليس من الدين في شيء ولكن من بقايا عادات جاهلية وفرعونية صارت لها قدسية كقدسية الدين عند أهل السودان”. كما ندد ببعض ممارسات التجميل في السودان كالشلوخ والوشم والوصل، وآخر ما دعا لتركه كان الألقاب طالباً أن ينادى كناية باسم أحد أولاده أو بناته .
في 1985م أصدر السيد الصادق كتابه “المرأة وحقوقها في الإسلام” متبنياً فيه آراء تقدمية تدعو للمساواة النوعية . ناقش في الكتاب الرأي الإسلامي التقليدي حول المرأة الذي عليه جمهور الفقهاء قديماً وحديثاً وكيف عوملت كناقصة عقل ودين، وصدرت أحكام بأن إمامتها للصلاة وولايتها العامة لا تجوزان، وأن ديتها نصف دية الرجل. وتعرض للرأي الإسلامي الآخر الذي لم يسلم برأي الجمهور منذ القدم كتجويز الطبري وأبي ثور لإمامة المرأة للنساء والرجال في الصلاة، ومساواة أبي حنيفة بين دية الرجل والمرأة، وإجازة الطبري وأبي حنيفة توليها القضاء، وإجازة ابن حزم أن تلي الحكم، وإجازة أبي حنيفة توليها عقد الزواج، وذكر أنه كان من فرق المسلمين القديمة من أجاز تولية المرأة الإمامة الكبرى كالشبيبية الذين ولو غزالة إماماً وقائداً، كما تعرض لرؤى المحدثين المجيزين لعمل المرأة المقرين ببعض حقوقها . وتعرض لمسألة الحجاب بمعنى العزل التام بين الرجال والنساء وذكر أن أصل نظام الحجاب ليس إسلامياً ولا عربياً، وأنه جرى التحول نحوه في العهد العباسي تأثراً بثقافات إغريقية وربما آشورية قديمة “وقد انتشرت لأنها وجدت تأييداً من غيرة الرجال، وكان الحماس للحجاب مسنوداً لغيرة الرجال، ولنفوذ الحضارات الأعجمية أكثر من استناده لحماسة الدين” . وتحدث عن شواهد الفكر الإنساني وكيف نشأت الدعوة لتحرر المرأة في الغرب كردة فعل لتحقير المرأة في مضابط الكنيسة التي اعتبرت المرأة مخلوقاً ناقص الإنسانية والعقل والأخلاق والدين خاضعاً للوصاية التامة في شؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مصدراً للإغواء. فجاء كتاب البريطاني جون ستيوارت مل “اضطهاد النساء” مؤكداً أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في التكوين الطبيعي وأن منا يشاهد من تفرقة اضطهاد فرضه الرجال على النساء مثلما فرضوا العبودية على الأرقاء. وتحرير المرأة يعني إسقاط هذا الاضطهاد ومساواة الرجل بالمرأة في كل شيء إذ الفوارق بينهما مصطنعة، واصفاً كيف انطلقت صيحات تنادي بتحرر المرأة من الأمومة واعتبار الأسرة مؤسسة اضطهاد للمرأة ينبغي إلغاؤها وبلغت ذروة هذه الصيحات في الثورة الجنسية في ستينيات القرن الماضي، كان من نتائجها كوارث صحية كتفشي الهربز في السبعينيات والإيدز في الثمانينيات، والأضرار الأكبر على النساء بسبب زوال مؤسسة الأسرة. كما تطرق للحركة الأنثوية في الغرب Feminist Movement ومقولاتها من أنه لا يوجد اختلاف حقيقي بين الرجل والمرأة إلا الناشيء من الوظيفة التناسلية، وأن التمييز المشاهد بين الجنسين مكتسب غرسته تربية معينة، وكنتيجة حتمية لمؤسسة الأسرة باعتبارها مصدر الهيمنة الجائرة، وبالتخلص من الأسرة يتم التخلص من هيمنة الرجال. ثم استعرض رؤى مخالفين يذهبون لأن هيمنة الرجال ونزوعهم للتعدي تشهدها كل المجتمعات ويفسرها التركيب العصبي والغددي للرجال بتأثير هورمون التستسرون عليهم بالإضافة للعوامل التربوية والبيئية. ورأى السيد الصادق أنه توجد اختلافات فسيولوجية ونفسية بين الرجال والنساء فالرجال أقدر على استيعاب الأمور المجردة، والنساء أقدر على استيعاب المسائل المحسوسة والاجتماعية، والتسليم باختلاف الملكات لا يعني التسليم بتفوق أحد الجنسين، واعتبر أن حكمة هذا التفاوت هي أن يتكامل عطاء الرجال والنساء، فهو اختلاف تكامل لا تفاضل. وأن النساء بالأمومة يكتسبن قيمة كبرى و”عطاء النساء بالأمومة هو في ميزان الطبيعة هو أهم عطاء، وما ميل الرجال نحو الإنجاز والتفوق وحرصهم على الهيمنة إلا للبحث عن عطاء يوازن في أهميته عطاء الأمومة”. واعتبر أن هذا الاختلاف التكاملي أمر ندركه لكن لا ينبغي أن نرتب عليه أي نتائج، قال: “الخطأ الجسيم هو أن نقرن بين قدرات المرأة وملكاتها وبين الانتقاص من حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية،..، ينبغي أن تتساوى الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية المكفولة للرجال والنساء، وأن تصان فكراً ودستوراً وتشريعاً”. وناقش الموقف من قضية المرأة من منظور إسلامي فذكر أن هناك استثناءات في الدين لصالح المرأة كحق البر المقدم للأم ثلاث مرات على الأب، واستثناءات لصالح الرجل في الشهادة، والمواريث، وتعدد الزوجات، وضربهن، والحجاب، ونصف الدية، والقوامة، وناقشها بما يوضح حدودها أو يقيدها باعتبارات معينة، ذاهباً إلى “وكما أنّ للرجل تفضيلاً في مجالات الكسـب والحماية فإن للمرأة تفضيلاً في مجالات الأمومة والرعاية.” ثم تطرق لشبهات دينية حول مسألة المرأة هي أحاديث: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، وناقصات عقل ودين، وأطيعي زوجك، ولو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. ففند تلك الأحاديث باستقراءات فقهية وتاريخية مظهراً تناقضها مع القرآن ومع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع مقاصد الدين طاعناً في متنها، وداعياً إلى تشريعات جديدة في خصوص المعاملات ومن ضمنها المتعلقة بالنساء، مكرراً دعوته للاجتهاد المؤسسي الذي نادى به في كتابه “العقوبات الشرعية” بتكوين هيئة من ثلاث شعب: هيئة الموسوعة لإحصاء أحكام الأقدمين وتبويبها، وهيئة الخبراء المكونة من خبراء في الفقه والعلوم الحديثة تضع مشاريع القوانين في القضايا المختلفة، وهيئة تشريعية صحيحة النيابة عن الأمة تنظر في ديوان القوانين الذي تعده هيئة الخبراء وتشرع القوانين بالأغلبية.
حينما فرغ الحبيب من مسودة الكتاب وزعه كما ذكرت على عدد من الناشطات بكيان الأنصار وحزب الأمة آنذاك، ومعظمهن ردن عليه بمقالات مستنكرة الآراء والأحكام التي ذهب إليها في تفنيد حجج جمهور الفقهاء الغامطة لحقوق النساء. لكنه مضى في نشر رؤاه، ولاحقاً طورها في اتجاهات أكثر جرأة في هجر ما ذهب إليه الجمهور. هذا الأمر جعله يفكر لاحقاً في تكوين منتدى الأحد الفكري الذي كان ينعقد بينه وعدد من كادر حزب الأمة والأنصار النسائي ببيته بالملازمين (في مقابل منتدى فكري كان يضم كادر الهيئة الشبابي حينها ينعقد كل ثلاثاء ببيته بودنوباوي).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.