رئيس بعثة يوناميد: الأمم المتحدة باقية وستواصل مساعدة أهل دارفور
في هذا الحوار الذي أجرته أخبار الأمم المتحدة مع انتهاء ولاية البعثة، يسلط السيد جيريمايا مامابولو، الممثل الخاص المشترك ورئيس يوناميد، الضوء على مسيرة البعثة وما حققته من نجاحات، فضلا عن العقبات التي اعترضت مسيرتها.
السيد جيريمايا مامابولو، مرت أكثر من 10 سنوات منذ نشر بعثة يوناميد في دارفور. ما تقييمك لعمل البعثة خلال هذه السنوات؟
شكرا جزيلا لاستضافتي. كان للبعثة دائما تفويض محدد. نحصل كل عام على تفويض من مجلس الأمن ومهمتنا هي حماية المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، كنا أيضا مسؤولين عن التخفيف من حدة النزاعات القبلية التي تشهدها دارفور كثيرا، فضلا عن التوسط في حل الصراعات التي تنشب بين حكومة السودان والجماعات المسلحة في الإقليم.
لم يكن الأمر سهلا بالنسبة لنا، لكنني أعتقد أن البعثة كانت قادرة على خلق بيئة أمنية جيدة، وقد استغرق الأمر وقتا طويلا حتى تتمكن البعثة من القيام بذلك. لقد مرت 10 سنوات الآن، ويمكننا أخيرا الحديث عن اتفاقية سلام.
خروج البعثة بعد مرور 10 سنوات يعني أن أعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي قد توصلوا أخيرا إلى حقيقة أنه ربما لا توجد حاجة لبعثة حفظ سلام في دارفور.
أعتقد أيضا أن يوناميد نجحت، وبرغم كل الصعوبات والمشاكل التي واجهتها، في تنفيذ مهامها في وضع صعب للغاية. لقد تحقق السلام الآن، لكن المعاناة لم تنته بعد. لكن هناك الآن حكومة جديدة ملتزمة ببناء السلام وضمان تحقيق حل نهائي للمشاكل التي واجهها أهل دارفور وتحقيق التنمية والعيش في سودان أفضل.
لم تكن للبعثة ميزانية كبيرة، لقد كانت الميزانية مخصصة لضمان استمرار أنشطة حفظ السلام. وبذلك، تمكنا من تحقيق الاتفاقات، على سبيل المثال، والمشاركة في القضايا التي تتعلق بالعدالة الانتقالية وبناء المحاكم الريفية ومراكز الشرطة، وأيضا دعم الاقتصاد في دارفور ومحاولة المساعدة في دعم عملية التعليم.
وعليه فقد انخرطنا في العديد من القضايا والتي لم تكن ضمن تفويضنا، ولكن كجزء من محاولة الحفاظ على السلام في دارفور، فعلنا كل ما في وسعنا. لقد انخرطنا في الحفاظ على الأمن ودعم الاقتصاد وحماية المدنيين في دارفور بشكل عام. وأعتقد أننا قمنا بالجزء الذي يمكننا القيام به.
ما التحديات الرئيسية التي واجهتها بعثة يوناميد؟
قبل الآن، تمثل التحدي الأكبر في التعامل مع حكومة الرئيس السابق عمر البشير والتي لم تكن مقبولة لدى الشعب. كنا نتعامل مع نظام قمعي لم يكن مستعدا للتنازل. لقد استغرق الأمر وقتا طويلا حتى تم التوصل إلى اتفاق سلام. لقد مثل هذا النظام مشكلة للشعب في المقام الأول. لم يتمكنوا من التوصل إلى أي اتفاق على الإطلاق.
كنا نتعامل مع التحديات التي خلفها اندلاع الصراع في دارفور. كان لدينا الكثير من الأشخاص في مخيمات النازحين داخليا. كان علينا الاعتناء بهم مع الوكالات الإنسانية الأخرى. في إحدى المراحل وصل عدد النازحين إلى مليوني نازح. أما اليوم فهناك حوالي 1.8 مليون.
ولكن كلما اندلع صراع ما، فإن عدد النازحين يزداد. نشعر بالامتنان اليوم لتناقص هذه الأرقام بسبب انخفاض حدة الصراع الناجم عن وجود حكومة مقبولة لدى الشعب.
الصراع لم يتوقف كليا في دارفور لأن هناك فصيل عبد الواحد نور، على سبيل المثال، لا يزال يقاتل في ولاية وسط دارفور، ليس ضد الحكومة كثيرا، لكنه قتال داخلي بين المجموعات في الفصيل نفسه. عند اندلاع أي صراع فإن ذلك سيؤدي إلى نزوح.
من التحديات الأخرى التي لا زلنا نواجهها إلى اليوم، للأسف، الصراع بين المجموعات القبلية الذي لا يزال يحتدم في إقليم دارفور. هذه تعد من المشاكل التي لم تحل بعد.
الحكومة الجديدة لا تزال تحاول معالجة كل هذه المشاكل في دارفور. من التحديات الأخرى التي واجهتنا، باعتبارنا بعثة لحفظ السلام، عدم امتلاكنا الإرادة الحرة للقيام بمهامنا نسبة للقيود الصارمة التي فرضتها علينا الحكومة. في بعض الأحيان لم يسمحوا لنا بتقديم الإغاثة الإنسانية للمحتاجين. يقولون لنا: لا يمكننا السماح لكم بالذهاب إلى هناك لدواع أمنية.
السيد مامابولو كما تعلم، هناك قلق بين العديد من السودانيين، وخاصة النساء والأطفال المشردين في دارفور بسبب خروج بعثة يوناميد. لقد رأينا العديد منهم يتظاهرون للمطالبة بعدم خروج البعثة. ما الرسالة التي ترغب في توجيهها لهم؟
أنا أتفهم ذلك. لقد ظلت يوناميد لسنوات عديدة هنا في دارفور، لقد أصبحنا حقا جزءا من المعاناة في الإقليم. لقد ظللنا نساعد أهل الإقليم، وهم ممتنون لحجم العمل الذي قمنا به من أجل توفير الحماية الأمنية لهم من، خلال الدوريات التي قمنا بها، وأيضا التدريب الذي قدمناه لهم، والتفاعل معهم، بشكل عام.وبالتالي، فهناك الكثير الذي فعلناه للناس في دارفور بصفتنا كيانا تابعا للأمم المتحدة مسؤولا عن حمايتهم ورفاههم، مما يجعلهم ربما يشعرون بعدم الأمان عند مغادرة يوناميد.
هناك الكثير من القلق الذي ينتاب هؤلاء الناس، يظهر ذلك من خلال المظاهرات التي نراها خارج مقر يوناميد. ولكن في نهاية المطاف فإن مسؤولية أمن الشعب تقع على عاتق الحكومة الحالية.
الحكومة يمكنها أن تطمئن المجتمع الدولي وتثبت قدرتها على حماية ورعاية مواطنيها. القضايا المتعلقة بحماية المدنيين هي في نهاية المطاف، مسؤولية الحكومة. سواء كان ذلك الآن، أو بعد ستة أشهر.
إذا ما الخطوة التالية بعد خروج يوناميد من إقليم دارفور؟
حسنا، الأمم المتحدة باقية ولن تخرج. التي ستخرج هي فقط بعثة يوناميد. ستأتي بعد ذلك بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان (يونيتامس). لدينا أيضا فريق الأمم المتحدة القُطري الذي ما زال موجودا في السودان، وبالتالي فإن الأمم المتحدة ستواصل تقديم المساعدة. ما حدث هو تغيير البعثة بطلب الحكومة السودانية. البعثة مهمتها حفظ السلام، وتم نشرها تحت الفصل السابع.
ما تقييمك للوضع في دارفور الآن؟
لسوء الحظ، الوضع لا يتغير بين عشية وضحاها. صحيح أن لدينا حكومة جديدة تتولى زمام الأمور. لكن بالطبع، هناك الكثير من القضايا التي يتعين عليها معالجتها وهي لا تزال قائمة على الأرض في انتظار هذا التحول.
ما يبعث على الأمل هو أن لدينا الآن حكومة مستعدة للتصدي لهذه المشاكل. على سبيل المثال، فيما يتعلق بحماية المدنيين، التزمت الحكومة بنشر القوات وقد بدأت في فعل ذلك.
هناك العديد من القضايا الأخرى التي لا تزال تمثل تحديا كبيرا وهي استمرار وجود النازحين داخليا في تلك المخيمات.
ماذا يتعين على الحكومة فعله لضمان عودتهم إلى قراهم الأصلية؟ قد يكون من الصعب إعادة بعضهم الآن لأن مناطقهم يسكنها الآن أناس آخرون جدد. ماذا يتعين على الحكومة فعله حيال النزاعات بين المجتمعات والتي لا تزال قائمة، وكذلك العداء بين المجموعات العرقية؟، وبالتالي فإن التحديات لن تختفي بين عشية وضحاها؟
أنا قضيت في السودان ما يقرب من خمس سنوات الآن، معظمها في دارفور. بالطبع لا يمكن لأي شخص أن يعيش هنا دون أن يكون جزءا من الألم والمعاناة التي يعيشها الناس. إنها حقيقة تعيشها وليس شيئا تقرأه في الكتب المدرسية.
أنا دائما ما أروي هذه القصة. كل مرة أزور فيها مخيمات النازحين داخليا، لا سيما في ذروة أيام الصراع، تقف امرأة وتحكي لي عن تعرضها ونظيراتها للاغتصاب أثناء خروجهن خارج المخيمات للعمل بهدف كسب الرزق وأثناء جمع الحطب. أجدني أكرر السؤال نفسه في مناسبات عديدة: لماذا يتعين عليكن النساء أن تذهبن لجمع الحطب؟ لماذا لا يقوم أزواجكن بذلك؟
تجيب النساء أنهن يُضطررن إلى الخروج بأنفسهن لأن الرجال إذا خرجوا سيقتلون ولن يعودوا أبدا. وهذا يدل على مدى سوء الوضع هناك. أشعر ببعض السعادة الآن، ونحن نرى أن كل هذه المآسي تقترب من نهايتها، وأن النساء يمكنهن الخروج إلى أشغالهن دون أن يضطررن إلى تقديم مثل هذه التضحية، مثل الاضطرار إلى مواجهة احتمال التعرض للاغتصاب.
هل لديك رسالة أخيرة إلى أهل دارفور؟
نعم، أود أن أقول لهم إن ترتيبات الفترة الانتقالية دائما ما تكون فوضوية. يحدث هذا في كل مكان ليس في السودان فقط. أنا من جنوب افريقيا. أثناء المرور بفترات الانتقال، يتحدث الناس عن حقيقة أن أعمال العنف قد تحدث بصورة أكثر من فترة الصراع الفعلي نفسه. دائما ما تكون فترات التحولات معقدة للغاية بسبب انعدام الأمن وعدم وضوح الرؤية السياسية في البلاد، وانعدام الثقة في بعضنا البعض. أقول لأهل دارفور إنكم خطوتم الخطوة الأولى والمستقبل أمامكم مشرق. أنا متأكد من أن السودان وأهل دارفور سيحققون ما يحلمون به يوما ما.