رسالة من تحت مياه المجاري..!
كتب: مرتضى الغالي
.
هل يشاهد النائب العام ورئيسة القضاء حلقات التلفزيون القومي عن (بيوت الأشباح)..؟! سؤال بريئ دخل إلى رأسي خلال مشاهدة وسماع رواية نقيب الأطباء السودانيين بكندا..هل يشاهداها مثل عموم المواطنين؟ أم أن وقتهما لا يتسع لذلك..أو ربما كانا في مشاهدة قنوات أخرى وبرامج أخرى أخف وطأة من ناشئة الليل..!!
نحن من بين المواطنين العاديين الذين تصيبهم حالة من الانفعال خلال المشاهدة.. وحالة أخرى (علمها عند الله) بعد مشاهدتها.. وربما تبدر من بعضنا تعبيرات تتهوّل من المدى الذي بلغته آلة التعذيب المدرّبة والهمجية و(صفاقة الجلادين وسوقيتهم) وبينهم وزراء وقادة مشروع حضاري و(أغيار شرع).. وربما استعذنا بالله من شرور أنفس الإنقاذ وسيئات أعمالها.. ولكن ما هو رد فعل الأجهزة العدلية والنيابة العامة تجاه هذه الشهادات من (المعذبين في الأرض)؟! وكيف تتعامل معها؟.. (على الأقل) كأدلة تحتمل التصديق والتكذيب والشك والظن.. وما إذا كانت تصلح كـ(بلاغات جاهزة) تتبناها النيابة وتستدعي من أدلوا بهذه البينّات والاعترافات والتوصيفات لما كان يجري في بيوت الأشباح بعيداً عن العيون الرسمية وغير الرسمية وبعيداً عن الشعب وعن مؤسسات الدولة ..عندما كان الإنقاذيون وتابعون لهم من الجيش والأمن والشرطة والمدنيين والأطباء والمحامين وأساتذة الجامعات ومترددي السجون والمحكومين وصعاليك الحواري يقومون بالتعذيب.. ووقتها كان جهاز قضاء الإنقاذ موجوداً وجهاز أمنه موجوداً وقياداته في الشرطة موجودين.. وكان الوزراء وقادة المؤتمر الوطني يترددون على بيوت الأشباح ويشاركون في التعذيب وفي الحث عليه.. ويشهدون بعض عروضه.. ويلقون بالتعليمات ثم يغسلون أيديهم ويذهبون إلى المكاتب.. ومن بين من كانوا يمرون على بيوت الأشباح ضباط برتب عليا ووسيطة ودنيا.. يشاركون في التعذيب و(الشتيمة) وعلى صدورهم الأسماء الثلاثية تلمع في اللوحات المعدنية المُذهّبة..!!
هل في السودان من ينكر بيوت الأشباح..؟ أو يستنكر ما وقع فيها من تعذيب..؟ أو من يقول إن كل ما تتم روايته بالتفصيل القاتل عن التعذيب فيها هو محض (أوهام وهلاويس)..؟! هل سمع النائب العام ووكلاء النيابات ما رواه بالأمس نقيب الأطباء في كندا وما تعرّض له.. هو من معه من تعذيب وامتهان بلغ حداً يصيب من يسمعه بالهذيان والغثيان والتواء الأمعاء..؟ وهل سمعوا بوزراء الإنقاذ وقادتها الذين يسحبون سراويل السياسيين والأطباء والنقابيين ويدخلون بعض الأخشاب والأدوات في الأدبار ويلامسون الأعضاء التناسلية..؟! هل سمع النائب العام ما رددته الشهادات من أسماء المسؤولين الذين يقومون بالتعذيب مع انعدام أي علاقة لهم بالشرطة أو الأمن أو السجون..؟ وهل سمعوا كيف فعل (الطبيب الإنسان) الطيب إبراهيم محمد خير (زعيم طائفة السيخ) بزميله الطبيب في بيوت الأشباح..؟ وكيف كان ينزع ملابسه ويلوي أصابع يده ويأمره برفع علامة النصر باليد السليمة الأخرى..! وكيف كان يشرف على (حفلات التعذيب الصاخبة) التي يقوم فيها أربعة من الجلادين بضرب رجل أعزل في الرأس والوجه والقفا وتحت الضلوع.. بينما يتولى هو مهمة إطلاق الشتائم.. ثم يقوم بتمرير السكين على عنق الطبيب ويضرب أوداجه وأوردته مع تهديد بالذبح والسلخ..! وهل سمعت النيابة كيف يتم إرغام رجل سبعيني على التمرغ في الطين..؟ وهل سمعوا بما يقال لأسرى بيوت الأشباح حين يطلبون أداء الصلاة..؟! أو كيف فعلوا بالراحل محجوب الزبير رئيس اتحاد عمّال السودان والراحل الآخر رجل الأعمال والسياسي السبعيني..؟ وهل سمعوا بالمحكمة العسكرية التي تم نصبها للأطباء والنقابيين وعلى رأسها ثلاثة ضباط من الجيش تحت إشراف (ود الحاج)…؟! أين هذا الرجل..وأين هؤلاء الضباط الآن يا ترى..؟!