رفع العقوبات هو المهم

0 104
كتب: د. النور حمد
.
معارضو التطبيع، أصحاب الأجندة المستترة، يحاولون صرف أنظار الشعب عن القضية الأهم وهي إخراج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات، إلى القضية الأقل أهمية وهي التطبيع مع إسرائيل. يحاول معارضو التطبيع إحداث زوبعة سياسية يظنون أنها تخدم أجندتهم السياسية التي تعثرت بسبب حساباتهم الخاطئة، وانحصار همهم في المصالح الحزبية الضيقة، وتقديمهم لها على مصلحة البلاد العليا. لقد أدخل الإنقاذيون السودان في كارثة مستطيلة وهي كارثة العقوبات التي استمرت لعشرين عاما. وضعت الولايات المتحدة الأمريكية السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وأوقعت عليه عقوبات اقتصادية في نهايات الفترة الثانية من حكم الرئيس بيل كلينتون في عام 1997. وكان التسبيب لذلك الإجراء هو مواصلة السودان دعمه للجماعات الإرهابية، وجهوده المستمرة في زعزعة استقرار دول الجوار، وانتهاكاته المتكررة لحقوق الإنسان. في يناير 2017 رأت حكومة الرئيس السابق باراك أوباما، وهي في أخريات أيامها، في السلطة، أن السودان أحدث تقدمًا يستحق عليه تخفيف العقوبات. خفف الرئيس أوباما العقوبات وترك الباب مواربًا للرئيس القادم، حينها، دونالد ترمب ليواصل المسار ويرفع العقوبات بصورة نهائية.
لقد أوقع وضع البلاد في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإنزال العقوبات الأمريكية عليها أضرارًا اقتصادية بالغة. ظن الانقاذيون أنهم بالاتجاه شرقًا نحو الصين وغيرها من دول جنوب شرق آسيا، سوف يجعلون العقوبات الأمريكية بلا تأثير. غير أن الأيام أثبتت سذاجتهم السياسية وضمور معرفتهم بمجريات السياسة الدولية. فبعد أن تسبب الإنقاذيون في فصل الجنوب بنفس تلك السذاجة السياسية، أدركوا عمليًا التأثير المدمر لفقدان ريع النفط، فعادوا يستجدون أمريكا رفع العقوبات. لم يقم الرئيس ترمب بأي تقدم في الوضع الذي تركه أوباما. ورغم أنه قدم خطة للشرق الأوسط ووثق صلاته بالمملكة العربية السعودية وبدول الخليج، إلا أنه لم يلتفت إلى السودان إلا مؤخرا. مع تضاؤل فرصه في الفوز بفترة حكم ثانية في انتخابات نوفمبر القادم، أراد ترمب أن يتقرب إلى اللوبي اليهودي بتوسيع دائرة السلام الإسرائيلية مع الدول العربية. فكان التطبيع مع كل من الإمارات والبحرين، ثم لحق بهن السودان في مسار مختلف نوعا ما.
لم تكن أمام السودان أي فرصة ليخرج من الانحدار المستمر صوب الهاوية من غير أن ترفع عنه الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات، التي كانت سوف تلقي به في الهاوية، لا محالة. في مثل هذا الوضع يوازن السياسي الحصيف بين نهج الصدام الذي يقف وراءه كبرياء زائف، يؤدي إلى الانهيار الكامل، وبين واقعية سياسية توقف الانهيار ليبدأ الصعود. وهناك صلة قوية بين إخراج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية عنه، من جهة، وبين إعلان السلام مع إسرائيل، من الجهة الأخرى. ورغم أن حكومتنا قالت قبل أيام أنه لا ارتباط بين الأمرين، لكن تسارع الأحداث أثبت عكس ذلك تمامًا. وهكذا هم سياسيونا لا ينفكون يراوغون بلا داع.
الذين يحاولون إثارة زوبعة حول مسألة التطبيع يحاولون صرفنا عن مكسب الخروج من حفرة دعم الإرهاب. هؤلاء يسيرون على ذات خط البشير الصدام، العبثي، العدمي، الخادم لأجندة المتوهمة عابرة الأقطار. لقد ترك أهل القضية الأصليون أنفسهم خط الصدام، فأصبحوا ينعمون بأحوال عامة أفضل منا بكثير . فهم مرتبطون عضويًا بالعالم وتتقدم أحوالهم العامة تبعًا لذلك. يلتقون بالإسرائيليين صباح مساء ويأخذون ويردون معهم ويصفو الجو بينهم حينًا ويتعكر أحيانا أخرى. في حين ندفع نحن ثمن “المقاومة” بالتردي المستمر في أحوالنا العامة، ومغالبة النتائج الكارثية لركلنا خارج دائرة العصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.