رواندا.. من أرض الإبادة إلى دولة العدالة

0 137

رصد _ السودان نت 

 

شكل تحقيق العدالة في رواندا تحديا هائلا بالنظر الى التجربة المريرة التي مرت بها رواندا قبل ربع قرن عندما اندلعت على اراضيها حروب الابادة التي راح ضحيتها 800 ألف شخص من قبائل الهوتو والتوتسي.

من الإبادة للمصالحة
رواندا اليوم تمكنت من تجاوز آلام الماضي ليس هذا فقط بل قاد الرئيس بول كاغامي مقاربة هائلة في بلاده نجح من خلالها في مساعدة الشعب على تجاوز المحنة والتحول الى مرحلة البناء بسرعة هائلة في التغيير وإصلاح البنية التحتية،لتكون ضمن الدول العشر الاولى عالميا في القدرة على الانتقال الى المستقبل فيما يعتبر أكبر إنجاز بقدرتها على تحقيق المصالحة وإحلال العدالة لكل أفراد الشعب.
المجتمع الرواندي تغير بعد ربع قرن من الإبادة الجماعية التي وقعت بين أبريل ويوليو عام 1994 واستمرت 100 يوم سقط فيها 800 الف ضحية مما يعني ان الحزن دخل كل بيت لدرجة يتخيل معها اكثر الناس تفاؤلا صعوبة نسيان ذلك الارث البغيض.
وقد تسبب في اندلاع الإبادة الجماعية اغتيال رئيس رواندا آنذاك جوفينال هابياريمانا ونظيره سيبريان نتارياميرا رئيس بوروندي وان كليهما من الهوتو عند إسقاط طائرتهما بصاروخ في العاصمة الرواندية مساء السادس من أبريل 1994. ولم يتم التعرف قط على المهاجمين.
في اليوم التالي، قُتلت رئيسة وزراء الهوتو المعتدلة أغاثي أويلينغييمانا، وعشرة من جنود حفظ السلام البلجيكيين كانوا مكلفين بحمايتها، وعدد من وزراء المعارضة.
وفي نفس اليوم، تمت تعبئة جنود حكومة الهوتو وميليشيات متطرفة متحالفة معهم الذين قادوا الإبادة الجماعية للقضاء على التوتسي الذين يمثلون أقلية.
وبدأت مجازر على نطاق واسع. وأعدت سلطات الهوتو المتطرفة لوائح بالأشخاص الذين يتعين قتلهم على جميع مستويات الإدارة. وبتشجيع من السلطات ووسائل إعلام ساهم قسم من الشعب ينتمي إلى كل الطبقات الاجتماعية، في الإبادة، بالهراوات أو المناجل، التي استهدفت الرجال والنساء والأطفال في جميع أنحاء البلاد.
وكان ما يصل إلى عشرة آلاف شخص يلقون حتفهم يوميا. وتم القضاء على 70 بالمائة من التوتسي وأكثر من عشرة بالمائة من إجمالي سكان رواندا.

وتعرض للقتل أيضا أفراد من الهوتو رفضوا الاشتراك في عمليات القتل، أو المشتبه في تعاطفهم مع التوتسي.
وبقيت المجموعة الدولية عاجزة، وفي 21 أبريل قررت الأمم المتحدة، لأسباب أمنية، خفض عناصرها هناك، من 2500 إلى 270 رجلا.
وفي نهاية يونيو، بدأت فرنسا بموافقة الأمم المتحدة على عملية “توركواز” العسكرية-الإنسانية. وستتهمها الجبهة الوطنية الرواندية بحماية مرتكبي الإبادة، وهذا ما تنفيه باريس.
ولم تتوقف المجزرة إلا بعد دخول التمرد التوتسي للجبهة الوطنية الرواندية إلى كيغالي في الرابع من يوليو، بقيادة زعيم عسكري شاب يبلغ من العمر 36 عاما هو بول كاغامي.

ماذا فعل كاغامي؟
رئيس الدولة الرواندي بول كاغامي (61 عاما) أزاح الرئيس بيزيمنغو وأحاله إلى المحاكمة بتهم الفساد ومخالفة توجه المصالحة الوطنية القاضي بنبذ أيديولوجيا التفرقة العرقية، وحُكم على الرئيس المخلوع بالسجن لمدة 15 سنة.
تولى كاغامي رئاسة رواندا بتزكية البرلمان عام 2000، وتم وضع دستور ألغى التفرقة العرقية التي كانت الوثائق المدنية الرسمية تنص عليها، وتم إقرار الدستور عام 2003، وبالتزامن مع ذلك أُعيد انتخاب كاغامي بالاقتراع العام المباشر،
انتُخب كاغامي في الأعوام 2003 و2010 وحصل على قرابة 99 بالمائة من الأصوات في انتخابات 2017 بلغت نسبة الإقبال فيها 96 بالمائة ونجح في اخراج رواندا من الهاوية، وسيطر على مشاعر الكراهية التي كانت سائدة بين فئات الشعب، وخلال حملته الرئاسية، وصف كاغامي نفسه بأنه رواندي بدلا من توتسيّ، محاولاً التقليص من الصراع العرقي الموجود في البلاد.
كاغامي حارب ضد الصعاب، وتمكن من أن يقود فترة من السلام النسبي والاستقرار وإعادة البناء في رواندا وكان التركيز الأساسي لرئاسته بناء الوحدة الوطنية والاقتصاد – وقد نجح في ذلك نسبيا رغم التحديات.

نمو شامل
عرفت البلاد في فترة حكمه نموا قويا في المؤشرات الرئيسية بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم؛ فقد بلغ متوسط النمو السنوي بين عامي 2004 و2010 نسبة 8% سنويا. وأقام كاغامي علاقات دبلوماسية جيدة مع أغلب دول شرق أفريقيا والولايات المتحدة.
وراهن كاغامي على جيل الشباب وقال انه يجب على الشباب القيام بدور أكبر في رواندا بعد الإبادة الجماعية، مشيرا إلى أن ثلاثة أرباع مواطني رواندا أقل من 30 عاما، بينهم 60 بالمائة ولدوا بعد الإبادة الجماعية.
ويلقى بول كاغامي، زعيم الجبهة الوطنية الرواندية ورئيس البلاد ترحيبا واسعا في رواندا نظرا للإنجازات الاقتصادية السريعة التي قام بها في دولته الصغيرة.
وعمل كاغامي أيضا على تحويل رواندا إلى مركز تكنولوجي، وشجع على انتاج هواتف ذكية رواندية تنافس شركات كورية، وله نشاط تفاعلي على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي.
رواندا وخلال عشرة أعوام، أعادت بناء نفسها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وحققت المعجزة ونجحت البلاد في تجاوز المحنة، واصبح الشعب الرواندي نموذجا فريدا للتسامح حيث يعيش الجميع كجيران، ليؤكد البلد أنه لا مجال للعودة إلى الوراء أو تكرار أخطاء الماضي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.