زفرات حرى
كتبت: سهير عبدالرحيم
.
أسوأ ما أفرزته الألوان السياسية والنعرات العنصرية والتحزب للقبيلة والمعتقد واللون والفكر ، وأكبر تشوه و أعظم مصيبة هو ما أصاب نسيجنا الإجتماعي و ثقافتنا و هويتنا وعاداتنا و تقاليدتنا .
على مر التاريخ و طوال الحقب الزمنية لم يكن أحد يجرؤ على الشماتة في الموت ، بل أنك وأنت طفل صغير لو ظهرت نواجزك أو بدا شبح إبتسامة في وجهك بمنزل عزاء كان ذلك كافياً ليتم زجرك و توبيخك ، فالمقام أن لم يكن مقام حزن فهو مقام عظة وكفى بالموت واعظاً .
يوم أمس الأول إنتابتني حالة من الذهول و أنا أتابع خيام الأفراح تنصب والزغاريد تعلو جنياً إلى جنب مع سرادق العزاء في وفاة الكاتب الصحفي و جاري في هذه الصحيفة والصفحة الأخيرة الطيب مصطفى عليه رحمة من الله و غفرانه .
ذهلت جداً رغم علمي التام أن للرجل عشرات الخصوم والكارهين و المختلفين سياسياً والذين يعزون فصل جنوبنا الحبيب إليه ، والذين يعتقدون أنه واحد من دعائم الحركة الإسلامية و أسباب بقاء النظام البائد .
نعم.. نعلم كل ذلك و أكثر ، ولكن ماحدث أن الرجل قد مات..هذا يعني أمراً واحداً فقط ، يعني نقطة سطر جديد ، يعني التعريض و المهاترة و التراشق و الشتائم قف ، يعني تصفية الحسابات و الأذى و المغالاة في الكره أيضاً قف .
الرجل بين يدي عزيز مقتدر هو وحده القادر و الرحيم و العفو والعليم و الظاهر و الباطن على أن يجعل للرجل متكئاً في الجنة أو مقعداً في النار ، هو وحده الذي بيده الحكم و الفصل والقضاء .
نحن كبشر لا نملك أمام الموت إلا أن نتعظ ، العظة و العبرة وحدها هي أكبر رسالة للموت وليس الشماتة ، و ما أغبى أن يلازمك أحساس شماتة بحدث سيمر عليك بعد عام أو شهر أو قد يمر عليك و أنت تقرأ في هذه السطور ، فتصاب بذبحة أو جلطة أو هبوط مفاجيء و حاد في الدورة الدموية ، النتيجة واحدة الموت .
قد تشعر عزيزي القاريء أن هنالك إلفة و مودة بيني والراحل الطيب مصطفى ، والحقيقة أن الرجل سبق و أن تعرض لي في أكثر من مقال بالكثير من السوء ، كما و أنه إشترط ليكتب بالصحيفة ألا أكتب أنا .
ولكني أشهد الله أني عفوت عنه ظاهراً و باطناً ولم يحدث هذا الآن و بعد موته ، كلا بل منذ عرفت ذلك تجاوزت الأمر و لم أناقشه .
الآن لا يسعنا الا أن نقول ليشمله الله بعفوه و مغفرته وليرحمه و يجعل قبره روضة من رياض الجنة ..إنا لله وإنا إليه راجعون .
خارج السور :
تذكر لاشماتة في الموت فقد يأتيك بعد ساعة.