زمالة سلاح ضارة في مجلس الشركاء
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
لا يحتاج الأمر إلى عالم صواريخ كما يقول الأمريكيون ليرى في صلاحيات مجلس الشركاء حلفاً لمسلحين قوامه صفوة الجيش (كلية وخلاء) والجبهة الثورية المسالمة. واستنكرت قحت في أعلى مستوياتها هذه الصلاحيات التي جعلت من هذا المجلس حاضنة ضرار للثورة الشعبية. وبدا لي أن قحت فوجئت بزمالة السلاح هذه لظنها أن الحركات حلفاء لا خصماء في قول السيد عبد الله حمدوك. وهي مفاجأة لا مكان لها من الأعراب. فسيجد كل دارس دقيق لعلائق ثوار السهل (المقاومة المدنية) وثوار الجبل أو الغاب (الحركات) التاريخية منذ ثورة ١٩٦٤ أن الصفوة العسكرية كلية وخلاء وحركات طيور على أشكالها تقع بصور مختلفة. وزمالة السلاح الضارة هذه ما غاب على واعية قحت التي دخلت مفاوضات جوبا بالنية الحسنة حتى الهتهم عن وضع استراتيجية تفاوض لا تخر ماء للدولة التي آلت إليهم. وبلغوا من الزهادة في هذه الاستراتيجية حداً قال به محمد جلال هاشم وأبكر آدم رسماعيل إن وفد الحكومة أتاهم أباطه والنجم من اسم ورقة تقد عين الشيطان.
نوهت كثيراً مؤخراً بكلمة لياسر عرمان عن علاقة ثوار السهل وثوار لجبل بعد انشقاق الجبهة الشعبية، شمال في ٢٠١٧. فأخذ في كلمته على ثوار الجبل أنهم لم يحسنوا التحالف مع ثوار السهل. وأصاب عرمان. وأضرب في هذا المقال المثل على فشل ثوار الجبل في بناء حلف استراتيجي مع القوى الحداثية في المدينة والريف المتقدم التي تعاقدوا معها في أزمان المعارضة على المنشط والمكره والسودان الجديد لنج. وسنرى كيف ساق استدبار ثوار الجبل ثوار السهل، والانصراف عن ثورتهم الواعدة بالتغيير، وشن الحرب أو العداء على حكومة هذه الثورة، إلى تعزيز القوى المحافظة من جانب واستدراج العسكرية من الثكنات بالانقلاب إلى القصر الجمهوري من الجانب الآخر.
لم يكد مؤتمر المائدة المستديرة للسلام (مارس ١٩٦٥)، الذي دعت له حكومة ثورة أكتوبر ١٩٦٤ يلملم أورقه، ويعين لجنة الاثني عشر لمتابعة توصياته حتى اندلعت الحرب في الجنوب. فلم يجنح المتطرفون من القوميين الجنوبيين للسلم الذي كان رائد ثورة أكتوبر. وقادت الأنيانيا (الحشرة السامة)، منظمتهم، حرباً شعواء. وجاءت حكومة ائتلاف حزب الأمة والوطني الاتحادي بعد انتخابات يونيو 1965 زولة حرب كان أبشع ضحاياها صفوة جنوبية في مناسبات زواج في واو واغتيال وليم دينق زعيم حزب سانو (الداخل) وحليف الإمام الصادق المهدي (بجناحه المنفصل عن جناح الإمام الهادي المهدي الحاكم) وحسن الترابي في كيان عُرف ب “القوى الجديدة” المعارضة.
وجاء في جريدة الميدان (3 نوفمبر 1965) في سياق الحرب الدائرة أن محمد إبراهيم نقد، النائب عن الحزب الشيوعي في الجمعية التأسيسية، سأل وزير الدفاع عن عدم الاستقرار في الجنوب، وقلق الضباط، وعن مذكرة تحوي مطالبهم بتحسين التدريب والتسليح للقوات بالجنوب. وزاد: هل يعلم الوزير باعتقالات حصلت لضباط بالجنوب؟ وما يزمع عمله تجاه معاملتهم وسرعة محاكمتهم. وسأل أيضاً:
هل يعلم السيد الوزير أن بعض قواتنا في منطقة الاستوائية المتاخمة للكونغو تشكو من عدم وجود الغذاءات، وأن بعضها تُلقى عليه كميات من الخبز الناشف غير الصالح بالمظلات، وأن بعضها (أي القوات) يشكو من قلة المؤون والملابس، ويفتقر بعض أفرادها للأحذية، ويضطر لانتعال أحذية باتا التي لا تناسب مناخ وطبيعة تلك المنطقة؟ وما هي بالتحديد الخطوات والمساعدات والإمكانات المادية التي وفرتها وزارة الدفاع لقواتنا المسلحة بالجنوب؟
كانت ركاكة إعداد القوات المسلحة للحرب في الجنوب من وراء اعتقالات الضباط العظام الذين سأل نقد عنهم. ولا أعرف من كشف عن ملابسات هذه الواقعة مثل الرائد (م) زين العابدين محمد أحمد في كتابه “مايو سنوات الخصب والجفاف”. فساء ضباط الجيش بالجنوب اهمال الحكومة إعدادهم للحرب منشغلة بصراع أطرافها الحزبي. فتقدموا بمذكرة شديدة اللهجة عن بؤس حال قواتهم. فطار عبد الحميد صالح، وزير الدفاع، واللواء الخواض محمد أحمد، القائد العام، لجوبا لاحتواء الموقف. وساقت الواحدة للأخرى. واعتقل الضباطُ الوزيرَ وقائدَهم العام بغير تدبير مسبق. وجرى احتواء الموقف في نهاية الأمر.
وانبذرت بذرة انقلاب 25 مايو 1969 في تلك الواقعة التي حَملت الحكومة فيها الجيش حَملاً ثقيلاً على حرب ضد الأنانيا التي لم تلق بالاً لثورة أكتوبر 1964 ومساعيها للسلم بتاتاً. ونواصل.