سجِّل يا تاريخ
كتب: جعفر عباس
.
بنهاية كل عام أحاول جرد الحساب الشخصي لأعرف ماذا أنجزت، ولكن خاب مسعاي هذه السنة “أيضا”، واكتشفت ان كل انجازاتي المهمة كانت في القرن الفائت، ففيه شربت الكوكا كولا وتناولت الآيسكريم وعمري 13 سنة متفوقا على أقراني، وتوالت الطفرات فعند انتقالي الى الصف الرابع الابتدائي اعطاني خالي “أبيض” حمارا فصرت من وجهاء المدرسة، وفي السنة الأولى في الجامعة امتلكت دراجة (عجلة) بحر مالي لأنني كنت أعمل مدرسا في مدرسة وسطى في بحري ما بين المحاضرات، واتقاضى راتبا مهولا (21 جنيها شهريا)، وكنت أتحرك بالدراجة داخل الجامعة وتكاد نظرات الاعجاب من البنات تخترق اطاراتها (اللساتك) فبعتها خوفا على البنات من الفتنة
ولأن وضعي المالي كطالب جامعي كان مريحا فقد نجحت لأول مرة في اقتناء 3 بنطلونات وخمسة قمصان، وصرت قادرا على ارتياد دور السينما وكان ان أحبتني سعاد حسني وكنت قد لاحظت انها تغافل بقية المشاهدين وتغمز لي بعينها، وصرفت على بنت حسني دم قلبي لأنني كنت أشاهد فيلمها الواحد عشرين مرة، ولكن العلاقات بيننا تدهورت عندما قفشتها وهي في حضن المطرب عبد الحليم حافظ، فقطعت علاقتي بها وسرعان ما وقعت في غرام الممثلة الإيطالية كلوديا كاردينالي، ولكنني فجعت عندما اكتشفت انها لم تخبرني بأنها أنجبت طفلين “بدون زواج”، فهجرتها ودخلت الممثلة الامريكية ناتالي وود على الخط بعد ان تعرفت عليها خلال عرض فيلمها Splendor in the Grass، ولكن أمي هددتني بقطع شطرها (وهو سلاح التبرؤ النسائي السوداني)، فتزوجت بسعيدة الحظ ام الجعافر وسمعت ناتالي بالأمر وانتحرت
وبعد التخرج اعطاني اخي عبد الله سيارة مجهولة الهوية ولكنها كانت تسير بالدفع الرباعي أي عندما يدفعها أربعة أشخاص، وكانت سيارة تقدمية ولا ترجع الا الخلف ابدا لعدم وجود الترس الخاص بذلك، وعندما انتقلت الى أبو ظبي واقتنيت سيارة تويوتا كرولا جديدة، سرى الخبر كسريان كالخيل في البرسيم، وتوالت البرقيات من الجاليات النوبية في مختلف البلدان: ينصر دينك با أبو الجافر (عندهم مشكلة أزلية مع حرف العين). رفأتم (رفعتم) رؤوسنا آلياً (عالياً) سيروا ونهن (نحن) من هلفكم (خلفكم)، نشد من أزركم ونقف حجر أثرة (عثرة) في طريقكم، أمي ذبحت كبشا سميناً واجتمعت قريباتي والتهمن لحمه وسط الزغاريد التي قمن بتسجيلها على شريط كاسيت، وأخذ منها أحد أقربائي ثروة طائلة بحجة أنه سيبعث الشريط بالفاكس و “كما تعلمين يا حاجة فإن الفاكس يكلف كثيراً”.
ثم ركبت الطائرة لأول مرة وعمري 24 سنة، وعملت ضابط إعلام ومترجما في السفارة البريطانية في الخرطوم، ولبست الكرافتة، وركبت الاسانسير كلما وجدت رفيق رحلة، ثم سافرت الى لندن وتعلمت استخدام الشوكة عند الأكل وصرت بارعا في ركوب السلم الكهربائي بعد ان تعلمت درسا قاسيا عندما استخدمته عند نزولي لأول مرة في مطار هيثرو حاملا كيسا من المنقة وفقدت توازني وتساقطت حبات المنقة وانهرست وفاح أريج العصير وأصدر السلم صرخة مدوية وتوقف عن الحركة وقرأت “وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون” ولم اتعرض للاعتقال
عندما كنت تلميذا في المرحلة الابتدائية كنا نكتب على لوح أملس من حجر الأردواز بشيء اشبه بالمسمار مصنوع من مادة جيرية، وهأنذا أكتب هذه الكلمات على كمبيوتر “لوحي”.. يا ما انت كريم يا رب
ليس الغرض من عرض انجازاتي المبهرة هو التباهي “فحسب”، بل أيضا إعطاء بعضكم الفرصة لممارسة التباهي بعرض إنجازات مماثلة تشكل نقلات مهمة او كبيرة في حياتهم