سنة يا الملوخية
كتب: جعفر عباس
سأكتب اليوم كلاما عن الملوخية يجعل القارئ يفضلها على الكمونية (اسم موفق لأكلة تتألف من أجزاء الكاكا في البهيمة)، ويقال إنه حينما أصيب المعز لدين الله الفاطمي، أحد ملوك مصر , بالتهاب في الأمعاء , عالجه الأطباء بالملوخية، وشفي, فأطلق عليها الناس اسم “الملوكية”، وأميل لتصديق هذه الرواية لأن النوبيين – سادة المطبخ السوداني يسمونها “مُلْكية” – بضم الميم وتسكين اللام (يسميها الخواجات Jews’ mallow أي خبيزة اليهود، واليهودي لا يقصر في أمر بطنه وجيبه، وفي هذا شهادة للملوخية بأنها ذات شأن)، وربما كان أسلافنا يعرفون سرها ولهذا كان اسمها في لغة المطاعم “شريفة”
والملوخية من أغنى الخضروات بفيتامين أ , الذي يحتفظ بقيمته الغذائية على الرغم من عمليات الطهي والتجفيف, وهو الفيتامين الذي يساعد على الحفاظ على قرنية العين وبريقها, ويدعم الغدد الجنسية ويهدئ الأعصاب (فعلا تحس بالخمول بعد أكل الملوخية والفول)، ويقول الدكتور فوزي الشوبكي الأستاذ بقسم التغذية بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة إنها تحتوي على فيتامين ب, والحديد والفوسفور والكالسيوم والبوتاسيوم والصوديوم والمانغنيز, يعني تتناول ملوخية لمدة أسبوع وتكسب معادن أكثر من تلك التي يكسبها جماعة التعدين الأهلي في ستة أشهر
والملوخية الطازجة تحتوي على نحو 4% بروتين، والغريب في الأمر أنه وهي “ناشفة” فإن هذه القيمة ترتفع إلى 22%، وتحتوي أيضا على مادة الكلوروفيل الخضراء الضرورية لصحة الأسنان، ومادة الكاروتين في الملوخية أعلى من تلك الموجودة في الجزر والسبانخ والخس, والكاروتين يتحول إلى فيتامين أ، كما أنها تحتوي على مادة الجلوكوسايدز بكميات كبيرة مقارنة بالبصل والبقدونس والثوم , وهي مادة فينولية تعمل على وقاية الجلد من التشقق والجفاف
المادة الغروية/ اللزجة الموجودة في الملوخية لها تأثير ملطف وملين ومهدئ لأغشية المعدة والأمعاء , بجانب أن الملوخية منشطة لحركة الأمعاء بسبب احتوائها على الألياف السيلولوزية, وهي بهذه الطريقة تعمل على مقاومة الإمساك وما يترتب عليه مشاكل في القولون والجهاز الهضمي. (بالجد إذا كنت تعاني من الإمساك ف”اشرب” ملوخية بالكورة)
ومادة الكاروتين الموجودة بالملوخية تمنع مرض البلاجرا الذي يؤدي إلى تشقق الجلد وتقرحه, وبخاصة عندما يتعرض للشمس., كما أن حامض النيكوتينيك أو الريبوفلافين , أحد مركبات فيتامين ب الذي يوجد بالملوخية، يعمل كمضاد لالتهابات وقرح الفم, وتعمل المواد المضادة للأكسدة في الملوخية، على الوقاية من التجاعيد الذي تظهر على الجلد إيذانا بسبب الطقس أو الشيخوخة (يعني الملوخية أحسن من الكريمات)
وأثبتت الأبحاث أن فيتامين أ, الذي يوجد في الملوخية بنسبة عالية, يعمل على تحسين أداء الموصلات العصبية بالجسم, ويمنع تجلط الدم, ويزيد من إفراز هرمون التستستيرون الذكوري, وهرومون البروجستيرون الأنثوي ويعمل أيضا على زيادة تدفق الدم إلى الأعضاء التناسلية, وهي نفس آلية المنشطات الجنسية الكيميائية، بجانب أن الملوخية تحتوي أيضا على المنغنيز الذي يساعد على زيادة إفراز هرمونات الخصوبة لدى المرأة.
وتعتبر الملوخية غذاء مثاليا للحامل, حيث أنها تعتبر من أكثر الأغذية النباتية احتواء على فيتامين أ, وهو أحد أهم الفيتامينات التي تساعد على الحفاظ على صحة الأم وجنينها, كما أنها تحتوي أيضا على عنصر الحديد الضروري لهيموجلوبين الدم.
وتتميز الملوخية المجففة عن الطازجة في عدة نواح من حيث القيمة الغذائية, فمثلا الملوخية الخضراء تحتوي على نحو 3.83% بروتين, بينما الملوخية الجافة تحتوي على 22.8% بروتين، والبروتينات ضرورية لنمو وبناء الأنسجة بالجسم, ونسبة الدهون في الملوخية الخضراء هي 0.41% , بينما تكون في الجافة 2.44% , بينما نسبة الكربوهيدرات 8.03% , وتقفز في الملوخية الناشفة إلى نحو 48% وتوجد الألياف بنسبة 1.71% في الملوخية الخضراء, وترتفع إلى 10.21% في المجففة, وهي تعد بذلك من أعلى النباتات احتواء على الألياف الضرورية لحركة الأمعاء والجهاز الهضمي عموما.
معظم الفوائد المذكورة للملوخية لا تفيد معظم السودانيين، ولا يستفيدون إلا من أليافها لتنشيط الجهاز الهضمي، ذلك لأننا نفضل الملوخية المفروكة على المفرومة، وعند فرك الملوخية نقوم بتدمير ما فيها من خصائص غذائية بإضافة “الكربونات/ بيكربونات الصوديوم” إليها ل”قتل أوراقها”، بحيث تخرج الطبخة متجانسة، وعند لجوء بعض النساء الى الخلاط الكهربائي لممارسة عملية القتل تلك دون القضاء على القيمة الغذائية في الملوخية، يحتج الرجال: مفروكة بالكهربا دي حنكشة نسوان ساكت!!
(عندما نشرت هذا المقال هنا في أكتوبر 2018 أي قبل سقوط عصابة الكيزان قال البعض إنني سأحرمهم من الملوخية لأن الكيزان سيحتكرونها او يفرضون عليها رسوم جمركية عالية فلا يستطيع الفقراء شراءها).