شِعَبْ الفضيلة الثَلاثة

0 77

 

بقلم : دكتور الوليد آدم مادبو

لقد تخلينا عن مسؤوليتنا كشعب وعن حقنا في تمحيص سيرة من يمثلنا، تحديد الآلية وتبيان أطر المحاسبية لتلك الجهة. فكانت النتيجة انتداب أشخاص وفق معايير اتسمت بالعمومية اذا لم نقل النجومية، افتقار المجلسين (السيادي ومجلس الوزراء) الى اسس للتنسيق بين أفرادهما من الناحية الرؤيوية وليس فقط التفعيلية، انعدام الآلية للتواصل مع الجهة (في هذه الحالة قحت) المنوط بها ترشيح الأفراد ألاكِفاء ومسآلتها حال الإخفاق.

إذن، فما الفوضى اذا لم نقل الاستبداد الذي اتسمنا به (افراداً ومؤسسات)، إلا نتيجة طبيعية لمحاولة بعض الجهات احتكار المنصة الثورية مستنصرين، بل ومحرضين، القوات النظامية على رفقاء النضال بالامس، لا لشئ إلا لأنهم يمتلكون رؤية مغايرة أو لأنهم يتهمونهم بالتواطؤ (كوز مندس) والسعي “لوأد” شعارات الثورة.

وقد تواترت الأدلة وكثرت حتى إن أحدهم لم يجرؤ حتى الأن للتصدي لرواية ابو الجعافر والتي تبادلها السودانيون بكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي.

إن غياب المنهجية هو احد أوجه التخبط الذي يتسبب في شخصنة القضايا ممّا يعيق امكانية التواصل الحيوي بين افراد المنظومة الحاكمة.
ولندلف مباشرة الي البيان الذي نشرته قحت في شأن الموازنة مستبقة قرار وزير المالية.

هذا تصرف مسؤول من حيث أنها ارادت تبرئة ساحتها، وغير مقبول من حيث أنه يعتبر تغول على سلطة الوزير.

سبق لي ان بيّنت انه ليس من واجب قحت ابداء الرأي في الامور -المهنية خاصة- نيابة عن الشعب إنّما من محض مسؤوليتها اصطناع الآلية التي تجعل القرار يتسم بالعلمية والموضوعية، كأن تحدد قحت مثلا منصة للسياسات الاقتصادية والتنموية يمكن ان يُنتدب لها اناس مقتدرين، اصحاب خبرة، مؤهلين وليس بالضرورة موالين للمنظومة إياها، من داخل البلاد وخارجها.

هؤلاء مهمتهم فقط المشورة وإبداء الرأي للوزير، حتما ليس إلزامه بخط معين.

حتى ذلك لا يكفي، لأن من واجبنا تكثيف وتفعيل سبل التداول لهذه الرؤى او تلك مع المواطنين وكافة الحادبين.

إن من يطلع على كتابة اَي شخص يعرف بالضبط توجهاته ومنطلقاته في التفكير، فكيف تدّعي قحت بأنها مذهولة (او مخلوعة) من توجهات وزير المالية وهو من القلائل في هذه الوزارة الذين لديهم أدبيات منشورة. أمّا من لم تمكنه ثلاثة او أربعة او خمسة عقود من كتابة اَي شئ، فقد كان من واجب القحاتة ومن واجب الشعب التعرف على مدرسته الفكرية من خلال اللقاءات الجماهيرية والمهنية. إذ لا يمكن لأي شعب مسؤول وواعي ان يترك مجالاً للصدفة في مثل هذا الظرف العصيب، كما لا يمكن للهيئة القابضة (قحت) ان تتخلى عن وزرائها لمجرد الاختلاف معهم في وجهة النظر او تحسباً لغضبة الشارع الذي لا يأبه للأنجازات قدر اهتمامه بالتوجهات.

ليس الإشكال في رفع الدعم فهذا امر حتمي ولازم، إنّما في غياب الرؤية السياسية والاقتصادية الشاملة التي تجعل الشعب يتحمل استنظارا للأمل، ولا تجعله يأن تحت وطأة الفقر ترويحاً عن مأزق النخبة الحاكمة (اَي الخروج من الورطة الحالية)!

إن الضبابية الاخلاقية هي أخطر ما يفل في عضد الدولة، ولذا فمن واجب وزير المالية العالم الجليل دكتور ابراهيم البدوي إصدار بياناً عاجلاً يوضح فيه الملابسات ويكشف فيه الحقائق.

إن ابتذال بعض السياسيين لأنفسهم وتملقهم شبه اليومي للعسكر او محاولة توريطهم، والأقبح تملقهم بالنهار ومحاولة توريطهم بالليل -فذاك هو النفاق- يُعَقِد من تفاصيل المشهد السياسي ويجعل من الصعب ايجاد مخرج لهذا المأزق (كيفية الخروج من عنق الزجاجة) الذي بات واضحاً للعيان.

أمّا اعتماد قحت سبل المراوغة مع الشعب فهذا امر مذموم، بل هو خيانة لشعب ائتمنها على إرثه وحاضره ومستقبله. لقد كانت احتفالية الامس الأربعاء الموافق ٢٥ ديسمبر ٢٠١٩ احتفالية خالية من الروح رغم صدق المنشدين وبراعة الشعراء والحاشدين.

أولاً، لأنها لم تجب عن الأسئلة العالقة وهي من باب التدليل وليس الحصر كالاتي:

الى متى ستتبع قحت سبل المداراة مع العسكر؟ لماذا لا توجد حيلة للتعامل معهم غير الوثيقة وقد استبانت علل الاخيرة وآفاتها؟ ما هو ثمن اعتمادنا على الخليج وما قيمة ما نستلمه مقابل من نفقده من فرص للوفاق الوطني والتنمية المستدامة؟ لماذا تستخدم بعض الوزارات “سلك براني” كأن تستعين وزارة عدلية بمحامين وقضاة معاشين متجاوزة نظم الخدمة المدنية؟ حتى متى ستعتمد قحت في تبيان جمالها على وصف قبح ضرتها (الكيزان)؟ هل لديهم رؤية مغايرة للتمكين او حيل غير الإحلال والإبدال الذي اتبعته العصابة ثلاثة عقود؟ أليس التنافسية من سمات المدنية والديمقراطية، فعلام الإقصاء للثوار الأحرار؟ هل تستشعر قحت خطورة الإقصاء للجبهة الثورية كمكون أساسي من مكوناتها؟ هل يعتبر تعيين ولاة سياسيين (بمعنى اكثر دقة مواطنين عاطلين وغير منتجين) محاولة اخيرة لكسر وحدة صف الريف السوداني الذي رفض اول ما رفض هيمنة الليغ السياسي القديم؟ أليس من الاجدى تعيين ولاة حسب تأهيلهم المهني والإداري عوض عن السياسي والقبلي؟ حتى متى سيهمن الرويبضة على مقدرات وثروات هذا البلد العتيق؟

ثانياً، الاحتفال كان من دون روح لأن القائمين على الأمر هنئوا الشعب بعد اثني عشرة ليلة (او نقصت ستة) من تاريخ ميلاده المجيدة في ١٣ ديسمبر او ١٩ وما فرقت. فهل يا ترى كان ذاك سهواً أم إنهم تعمّدوا خلق فضاء متحكم فيه كى يجنبوا (المنقذ) حمدوك التواصل المباشر والحيوي مع الجماهير؟

كان النميري رحمه الله وجعل الجنة مثواه الدغ اللسان ومحدود الأفق ومتهور، لكن كل ذلك لم يمنعه من مخاطبة الجماهير والالتحام معها في كل فترة وحين. ذلك أنه كان قائداً حقيقياً رفض وصاية ذات المجموعة التي تحاول اليوم التحكم في الرئيس الحالي (مع الفارق بين الاثنين في الشعبية والأهلية)، كما إنه كان لديه احساس بالتميز اذا لم نقل النبوغ كشخص منتمي الى مؤسسة وطنية عريقة كالجيش السوداني وكفرد منحدر من اصل نوبي عظيم.

هل تُكتسب هذه الخصال أم إنها تتدفق مع الحامض النووي؟ لا ادري.

لقد تعمّدت قحت حماية “المنقذ” حمدوك من مجرد النّدية باختيارها اناس بمؤهلات متواضعة، الأدهى اصطفائها لأناس يسهل التحكم فيهم وإملاء الرأي عليهم. لا غرو أنها قد نجحت، لكنها بفعلتها هذه قد حرمت البلاد -مثل ما فعلت الانقاذ- من منبع للعبقرية والأصالة والوطنية. فالله بِعَدله لم يحرم جهة من التحلي ببديع خصاله. وأداء الوزراء الحاليين بات واضحا للعيان لا يحتاج للفحص.

ختاماً، اذا كانت النرجسية والإفك والفهلوة تمثل ارجل شِعبة المنكر الثلاث في فترة الانقاذ، فإن التجرد والصدق والاستقامة بمعناها الهندسي (اقصر الطرق بين النقطتين) تمثل الأرجل الثلاثة لشِعبة الخير التي نرجوها للفترة القادمة.

اصدقوا هذا الشعب ايها الساسة تنالوا بركة خدمته وتتعرفوا على عظيم مكنونه فقديما قيل: “عدل يوم يعدل عبادة ستين عاما”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.