ضائقة غذائية في الأفق

0 73
كتب: د. النور حمد
من مشاكلنا المزمنة انعدام التفكير الاستراتيجي وضعف الاستشعار المبكر. ينطبق ذلك على كل سياساتنا؛ في الاقتصاد، والعلاقات الخارجية، والتنمية، والخدمات. ويكمن أصل المشكلة في مجمل بنية الوعي، خاصةً وسط من يتصدرون منا المشهد السياسي. ولو تأملنا فقط، انعدام الحديث عن الآثار الكارثية التي يمكن أن تسببها جائحة كورونا وسبل مواجهتها، لتبين لنا غياب الرؤية. وأما إعلامنا الإنقاذي فغارقٌ في “الفارغة والمقدودة”، وكأننا نعيش في دولةٍ للرفاه. ففي الوقت الذي تشير فيه كثيرٌ من المؤشرات إلى أن جائحة كورونا ستكون لها آثار كارثية مدمرة على اقتصاديات كبرى الدول الصناعية، دع عنك الدول الهشة، نجد أن بعض قنواتنا الفضائية منشغلةً بمحاورة فنانٍ مغمور، شاع عنه أنه يأخذ حقنًا تصل قيمة الواحدة منها 6000 دولار، لكي يحصل على لون بشرةٍ فاقع.
أرسل مدير البنك الزراعي، مؤخرًا، رسالة إلى الجهات الحكومية في المركز والولايات، ينبه فيها إلى أن العجز في محصول الذرة، وهو غذاء البلاد الرئيس، بلغ هذا العام، 1.3 مليون طن. أي، نقص عما يكفي عادةً بنسبة الثلث. ولو أضفنا إلى ذلك، ما سبق أن نبَّهتُ إليه في عمودٍ سابقٍ من أن الدول المنتجة للقمح، ربما لا تتحمس لتصديره إلينا، بسبب تأثيرات كورونا على أمنها الغذائي، فإن الوضع يصبح أكثر خطورة. إن أكبر خطر يمكن أن يهدد أمن البلاد واستقرارها لهو الجوع، خاصةً في مثل هذا الظرف الاستثنائي القاسي. هذا الفيروس الفتَّاك الذي انطلق من معامل الحرب البيولوجية لا يعرف أحدٌ، حتى الآن، مدى تأثيراته الممتدة. فإلى جانب سياسة الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي التي ربما تطول، فتتسبب في تراجع معدلات الانتاج، فهناك أيضا احتمال أن يموت كثيرون. وأيضًا، ربما يصبح كثيرٌ من المتعافين، غير قادرين على العمل الشاق. وستكون الدول النامية هي الأكثر تأثرًا بذلك، لاعتمادها على الجهد البدني أكثر من الآلة.
يسير العالم الآن نحو كارثة محققة، وبلادنا، بحكم ظروفها، سيكون نصيبها من هذه الكارثة أفظع من غيرها. رغم هذا المشهد القاتم تنفق فلول الإنقاذ وقتها في نثر الشائعات وتشجيع الناس على التمرد على النظم والتوجيهات، وخلق الندرة والتفلتات الأمنية. وفي الجانب الآخر من المشهد يتعارك بعض سياسيينا وبعض حركاتنا المسلحة، على كيكة المغانم، فيؤخرون مفاوضات السلام، وغيرها من الأمور الملحة، منشغلين بالحصول على أكبر عدد من مقاعد الولاة، وغير الولاة. يحدث هذا في الوقت الذي ينبغي أن يقف فيه الجميع على أمشاط أصابعهم. فيشتغل الخبراء والسياسيون وقادة المجتمع والمؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية، في التنوير الوافي بكيفية التعاطي مع أسوأ السيناريوهات المحتملة. في بلادنا هذه تتوفر الأرض والشمس والماء، لكن، ليس هناك معرفة، وليس هناك عزيمة. على الدولة أن تنصرف بكليتها إلى كيفية إنجاح الموسم الزراعي القادم. وأن يتجه الجهد التنويري إلى الكيفية التي يمكن أن تجتاز بها الأسر السودانية الضوائق المحتملة. نريد حديثًا وحثًا على الزراعة حتى في الحيشان، خاصة في الريف. فالبطاطس والبامبي يمكن أن تسد محل الذرة والقمح، واللوبيا بأنواعها، والخضروات، والدواجن، يمكن تسهم في العبور وقت الضائقة. يقيني، أنه لا يجوع في هذا العصر، سوى جاهلٍ خاملٍ، لم يجد أمامه قادةً وعلماءَ يوجهونه، ويستنهضون همته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.