طرفٌ من تخلف بنياتنا التحتية

0 66
كتب: د. النور حمد
البنيات التحتية لها تقسيمات شتى، لأن لكل جانب من جوانب ركائز الدولة الحديثة بنيته التحتية. لكني، أود أن أركز في هذا العمود، على الطرق والجسور والسكك الحديدية. فهي عظم الظهر الذي بغيره لن يستطيع أي اقتصاد حديث أن يقف على قدميه. تُعد بلادنا، مقارنةً ببعض دول الإقليم، الأكثر تخلفًا فيما يتعلق بالطرق والجسور والسكك الحديدية، رغم أنها كانت سابقةً في هذه المجالات. لكن تلكأت حكوماتنا، بلا استثناء، في تطوير البنية التحتية المتعلقة بالمواصلات البرية، وفي تطوير شرايين التنقل داخل المدن، خاصة العاصمة القومية. وتزداد أهمية البنية التحتية وكفاءتها، كلما كان القطر شاسع المساحة كالسودان، وكلما كانت المدينة مكتظة كالخرطوم.
لا تعود سلحفائية الإنشاء، وتدني النوعية، في تشييد الطرق السريعة لضعف الامكانيات، وإنما إلى عياء عقول الساسة، وضمور خيالهم العمراني، وقلة شغفهم بالبناء، وانشغالهم المفرط، بالصراع العقيم. تمثلت أكبر إنجازات حكومة عبود، في مجال المواصلات في إنشاء طريق الخرطوم مدني، وتمديد الخط الحديدي من الرهد إلى بابنوسة، ثم إلى نيالا وواو في جنوب السودان. وكذلك، تمديد الخط الحديدي من سنار إلى الدمازين. أما حقبة نميري، فقد كان أكبر إنجازاتها طريق مدني، القضارف، الذي امتد إلى كسلا وبورتسودان، وكذلك، طريق الخرطوم كوستي. وتُعدُّ الإنقاذ الأقل إنجازًا في هذا المجال، لكونها قد أُتحيت لها موارد البترول الضخمة، فأهدرتها. ويُعاب عليها، علاوةً على الإهدار الذي جاوز حد السفه، مواصلتها إنشاء الطرق الضيقة، ذات المسارين، غير المفصولين، بل، وبمواصفاتٍ متدنيةٍ جدًا. لقد حصد هذا النوع من الطرق أرواح المواطنين، بأكثر مما فعلته أعتى الأمراض. أما هدر الأرواح فقد عولج بإجراءات رجعيةٍ، عقيمة، هي خفض السرعة، ونظام الأفواج. وهي اجراءات تسير عكس الأهداف التي من أجلها تُشَيَّد الطرق السريعة.
لكل طريقٍ برِّيٍّ عنق زجاجة، يكون في الجزء اللصيق بالمدن الكبرى. وهناك ثلاث مناطق أرى أن تأخذ أولوية في التطوير. أولاها: المسافة بين مدني والخرطوم في الطريق الواقع غرب النيل الأزرق. وثانيتها: المسافة بين الخرطوم وشندي. وثالثتها المسافة الواقعة بين الخرطوم والقطينة، وربما إلى أبو حبيرة، قبالة الدويم، في اتجاه كوستي. ثم، يُعمم هذا النموذج في مخارج المدن الكبرى الأخرى، لمسافات كافية لفك اختناق عنق الزجاجة. لقد أكمل طريق الخرطوم مدني الآن 55 عامًا، ولم يشهد أي تطوير، رغم تضاعف حركة المرور عليه مراتٍ عديدة. يمثل هذا الطريق عنق الزجاجة الأكثر اكتظاظًا في كل القطر. يضاف إلى ما تقدم، فإن ضعف صيانته، وزحف الأسواق والمباني على جانبيه، أفقدته كفاءته. فأصبحت سرعة الانتقال فيه شبيهة بالحال الذي كانت عليه قبل إنشائه أصلا. فقيمة الطريق البري ليست في مجرد وجوده، وإنما في كفاءته التشغيلية. ولربما اقتضى الأمر أن يجري تغيير مسار هذا الطريق إلى خارج بعض القرى التي يخترقها، خاصةً في المنطقة الواقعة بين الخرطوم والمسيد. ختامًا، البنية التحتية الكفؤة هي ما يجلب الاستثمار الأجنبي، وهي ما يشجع على الإنتاج الزراعي والحيواني في بلد لن تتحسن أحواله الاقتصادية بغير ذلك. كما أن المواصلات السريعة تشجع الهجرة العكسية من عاصمتنا المكتظة، إلى الريف الذي كاد أن يصبح خاويًا على عروشه. فدعونا نرتب أولوياتنا بصورة أفضل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.