عبد الكريم إسكدر: فصل الدين عن الدولة لغير الأذكياء

0 145
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
رحم الله عبد الكريم محمد عبد الكريم (إسكدر) خدن الصبا في عطبرة الأميرية والثانوية الوحيدة في عطبرة وقتها حتى تكاثرت الثانويات فميزوها ب”الحكومية”. ثم في كلية الآداب بجامعة الخرطوم. وجمعتنا الجامعة نفسها في الثمانيات هو في إدارتها وأنا في أكاديميتها. وأسميناه سكدر منذ الوسطى بأثر شخصية في رواية إنجليزية مقررة علينا. وأحسبها لدكنز. ووطنه مدينة شندي التي عمل والده في شرطتها. بل ودرّس في ثانوية بناتها قبل أن يتعين بجامعة الخرطوم. وعمل في خواتيم حياته في إدارة جامعة مامون حميدة الذي أعجب بهمته وقت كان مديراً لمكتبه بجامعة الخرطوم. وأسعدني ما سمعت من إحسان دكتور مامون لمن تركهم من ورائه زغباً.
كان إنسانا طرفة. كان يقول عن قوة ساعد والده إنه حيّا ضابطاً عظيماً في طابور ولما دق على دبشك البندقية كسره. وحسبوها له براوة. وكنا نشاغله ونقول ود الكسر الدبشك. وتمتع إسكدر بشعر سبيبي وصدر رياضي يتقدمه كالمحمل. حسده على شعره دائما زميلنا تاج السر محمد خير بشعره المفلفل ورعي الصلعة فيه ً. كان يقبض على شعر إسكدر ويقول له لا تستأهله يا إسكدر أريتو فوق راسي. ولصدره الذي يتقدمه حكاية. كنا اجتمعنا في القاعة ١٠١ بكية الآداب أول دخولنا الجامعة في ١٩٦٠. وجلست مع جماعة ولم نتعارف بعد. فدخل إسكدر متأخراً. ونظر من حولي إليه واستعجبا لمتانة صدره وقال أحدهم: “ٌإنتو حماد أب سدر دا معانا”. وكان حماد من نواب شرق السودان في البرلمان الذي حله انقلاب الفريق عبود.
أذكر تعلقه بفتاة في الكلية وقد سكنا معاً بداخلية الدندر. وأراد يوما ً أن يتزين طلباً للفت الانتباه. ولم يعجبه أياً من قمصانه القليلة. فسألني أن أسلفه واحداً من قمصاني القليلة أيضاً. فعرضت عليه قميصاً بنياً داكناً شاذاً في لونه بمقياس زمننا. فأخذه مني وغاب لدقائق وعاد ليرمي القميص على السرير قائلا: يا خي ما عاوزو. قلت: ليه. قال يا خي تكون باديلك نقاش مع كمبال يجي يتمو معاي. وكان كمبال زعيماً في القوميين العرب وكنت مشروع زعيم في الشيوعيين. وكانت تلك أيام الخصومة العظيمة بين الشيوعيين وناصر العرب حتى تآخيا.
غبت عن إسكدر في طيات الاعتقال والاختفاء السياسي بعد إطلاق سراحي بعد انقلاب ١٩ يوليو في ١٩٧٣. وأذكر أنني كنت أقيم معه في منزله بحلة حمد متوارياً عن الأمن بعد تنمر النميري علينا حتى قبل ١٩ يوليو. فآواني. بل سمعت بانقلاب ١٩ يوليو وأنا في ضيافته. ولما عدت للجامعة في ١٩٨٠ وجدت الصداقة انعقدت بينه وبين أخي زين العابدين. وكانت جلساتهم في نادي أساتذة جامعة الخرطوم محضورة. فطورا معاً روتيناً فكاهياً عن أهل قريتين في نزاع أبدي حول ملكية طين ما. وانتدبت أحد القرى محامياً عنها فقررت القرية الأخرى أن “تتور” محامياً أيضاً. وانعقدت المحكمة وتحدث محامي القرية الأولى عن موكليه لينهض محامي القرية الثانية عن موكليه. وهنا اجتمع حوله أهل القرية ومنعوه الكلام: يا زول ما جبناك تتكلم عننا. مانا سدة. والنضم عندنا روق روق. نحن جبناك عشان الحلة ديك تورتلها محامي يعني نحن اقل منهم. ويرتجل إسكدر والزين ما شاء لهما في هذا الإطار بحذاقة قصوى. ومتي كنت جلوساً في الروتين فأبعد من مجال إسكدر الحيوي. فمتى ضحك إسكدر (وهو لا يكف عنه خلال حكيه) صال وترامى على من حوله يعديهم بضحكه.
ما ذكرني بالمرحوم هذه الأيام فكاهة مروية عنه أردت الاستعانة بها لبيان طريف لفصل الدين عن الدولة. كان إسكدر يومها مسجلاً لكلية القانون. فجاءه عامل جنوبي بالكلية يوماً وقال له يا سيد عبد الكريم أنا اسلمت أمبارح في صلاة الجمعة في مسجد حلتنا. فقال له عبد الكريم ببرود إداري:
– يا بول أها يوم الأحد تجي الشغل بدري مع رفاقتك المسلمين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.