عرسنا الدولي في باريس: ٨٠ جلدة من أجل بنطال  

0 51

كتب: عبد الله علي إبراهيم 

.

قال عثمان ميرغني عن لقاء باريس إنه “عرس دولي”. وعنايتي بهذا العرس عنا من جهة عرسانه الشباب. فسمعنا في العرس عن ثورتهم على لسان أعجمي ما سمعناه مؤخراً من نفس ذلك اللسان عن الثورة المهدية بفضل كتاب استثنائي عن أصداء الثورة المهدية في أوربا بقلم د. محمد المصطفى موسى حامد. فقول وزير الخارجية البريطانية إنه ملهم بشجاعة صائدة البمبان صدى من تسمية تشارلز ستيوارت، الوطني الإيرلندي، نفسه ب”المهدي” خلال نضاله لاستقلال ايرلندا عن إنجلترا في أيام ثورة المهدي. فنحن من يهب البسالة للعالم.

وكان حال بناتنا في أوربا في عهد الإنقاذ غير ما رأينا في عرس باريس. قال ماتيو رنزي، رئيس وزراء إيطاليا في ٢٠١٤، في دورة رئاسته للاتحاد الأوربي، “إنه ليوم فرح” في مناسبة بلوغ مريم إبراهيم، التي حكمنا عليها بالأعدام ثم الجلد مائة سوط للردة والزنا، روما. وكانت جاءت بطائرة إيطالية خاصة برفقة نائب وزير الخارجية الإيطالية. ولم ينقذها من براثن الإنقاذ سوى اشتداد نكير الرأي العام عليها. فلجأت مريم لشهر بطفلتها التي وضعتها في السجن إلى السفارة الأمريكية قبل فرارها. واجتمعت بالبابا لنصف ساعة ليشكرها على إخلاصها لدينها.

وقال برنارد كوشنير، وزير خارجية فرنسا، للبني أحمد حسين، صحفية البنطال في ٢٠٠٩، “أود تقبيلك ولكني أخشى عواقب الأمر واستغلاله” فرحاً بشجاعتها التي خاضتها من أجل حقوق النساء. وهذه العبارة هي منثور كلمة رئيس وزراء فرنسا نيكولا ساركوزي الذي عرض على لبني الإقامة في فرنسا بعد محنتها في محاكم وطنها. فقضت بجلدها مائة سوط لزعمها ارتداء زي غير محتشم. وردت لبني على كوشنير:

– إن فعلت سيدي جلدوني أنا مائة أخرى.

وكانت لبنى من الشجاعة بدرجة. فلما أرادت الأمم المتحدة تحصينها من المحاكمة لوضعيتها كموظفة بإعلام الأمم المتحدة استقالت من وظيفتها لتلقى “الجاك متحزم عارية” (في تصوره بالطبع). ولم تقبل بالغرامة (تستر بها الإنقاذ مؤخرتها العارية أمام العالم) بالجلد طالما الجلد هو العقوبة المنصوص عليها في المادة ١٥٢ من القانون الجنائي. وقد خضعت لها ١٣ ألف امرأة في عام ٢٠٠٨. وكان ذلك “كلام رجال” من لبنى وهو عنوان بابها بالصحافة.

لم يكن مَقْدم بناتنا إلى أوربا في الإنقاذ عرساً دولياً. كانت العبارة آنذاك، والعالم يستنفر نفسه لحماية مثل لبنى ومريم، “استياء دولي”. ووجدت علي يسن الكنزي يُمَثل بالضحية (victimizing the victim) حين حمّل لبنى جلب هذا الاستياء لوطنها. فعلق الكنزي على حادثة لبنى بقوله “مالكم لا ترجون للسودان وقارا”. كأن الوقار رقصة من طرف واحد.

وكانت واقعات هواننا الثقافي تلك مناسبة لتصدر كتب الأوجاع منه مثل كتاب لبني “٨٠ جلدة من أجل بنطال”. وعلى صدقه ومشروعيته إلا أنه مما سيطلع عليه جمهور انطبع الإسلام عنده كوحش التاريخ وعلى النساء خاصة. فلم تهيئه ثقافته ليميز بين الدين والتدين في مصطلح الدكتور حسن الترابي. وهذا نفسه ما أخذته أنا على جون قرنق حين راح يذيع خبر الرق في السودان بعد ارتحال حركته لأمريكا. فقلت له إنك اخترت طريقاً سهلاً لعرض قضيتك. فلن يقتضيك إبلاغ جمهورك مظلمتك لجمهورك الجديد شغلاً ولا سهراً. فأنت مصدق طالما كانت شكواك من الرق ومن رق مسلمين بالذات. ولكنه جمهورك المستجد لن يفهم شكواك من الرق إلا بمصطلحه هو ومن فوق تاريخ له مع الرق لا يزال.

لا أعرف إن كانت لأي من أقلام الإنقاذيين، التي هَرتنا ب”حرية وسلام وعدالة” كلما طال أجراء أمني أحد أفرادها، إطلالة سبقت على حقول إهانات لبنى ومريم سوى كمال عمر المحامي الذي كان في هيئة الدفاع عن لبنى مع المرحوم جلال السيد ونبيل أديب. هل استنكروا ما وقع للسيدتين مهما كان خلافهم معهن كما يطلبون الآن من الثورة؟ هل احتجوا على منعهم التعليق، مجرد التعليق، في الصحف على واقعة لبنى؟ هل استفظعوا أن تقتصر همة نقابة الصحفيين على تبرع محي الدين تيتاوي لسداد الغرامة عنها كأنها مقبوضة في قندول بنقو لا في قضية رأى؟ هل استنكروا عنف الشرطة على التظاهرة من لابسات البنطالات المؤيدة لها أمام المحكمة؟ ألم يكن من “حرية سلام وعدالة” الاحتجاج على اعتقال ٤٣ ناشطة نُقلت ثلاث منهن نازفات إلى المستشفى، ولقيت المعتقلات الضرب المبرح؟ هل سمعوا “سمع” بالمهووسين من الرجال الذين احتشدوا حول المتظاهرات يصرخون ب”عاهرات” في وجوههن؟

كان عرس السودان في باريس “يوم فرح” في قول الوزير الإيطالي لوطن عرض زينة شبابه على مسرح عالم مشدوه بعزائمهم ونبلهم وجمالهم. ولم يعد مثل هذا العرض يوم فرح لأوربا لتنفسها الصعداء بعد “مخارجتها” لمثل لبني من حكومة تؤدبنا لنزدجر. ولكنه يوم فرح أوربا كذلك في شيء واحد: رهانها على جواد أصيل جاء في اللفة. يتأخر ولكنه الذي يصهل طويلا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.