على القوات النظامية.. إرجاع أموال الشعب!! (1–2)

0 66

كتب: د. عمر القراي

.

(ولَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم
إن من أكبر الجرائم التي استهدفت المال العام، وتمت دون مراعاة لفقر هذا الشعب، إنشاء شركات اقتصادية ضخمة، برؤوس أموال حكومية، وإعطاءها تسهيلات وإعفاءات، تجعلها من أقوى المنافسين للمؤسسات الحكومية، والرأسمالية الوطنية، ثم تمليك هذه المؤسسات للقوات المسلحة النظامية والمليشيا. ولقد كان ذلك العمل من ضمن اختطاف تنظيم الإخوان المسلمين للدولة السودانية، وتسخير امكاناتها لخدمة الجماعات الإسلامية داخل وخارج البلاد.
وليس الخطورة فقط في أن عوائد هذه المؤسسات التي يفترض أنها وطنية، تقع خارج خزينة الدولة، ويحرم منها هذا الشعب الفقير، وهو في أشد الحاجة إليها. وإنما الخطر هو أن هذه المؤسسات لازال على قمتها قادة تنظيم الإخوان المسلمين، الإرهابي المجرم، والذي يستغل نفس هذه الأموال اليوم، ليخلق بها الأزمات، ويمول بها التفلتات، وقطع الطرق، ومعوقي التنمية أمثال ترك، ومجموعته القليلة التي لا تمثل أهل الشرق، وقتلة المواطنين الأبرياء في حروب النظام البائد العبثية، والذين يسمون اليوم أنفسهم مجاهدي غرب كردفان، وهم مجموعة لا تمثل أهالي غرب كردفان.
ولقد سبق للسيد رئيس الوزراء، أن طالب المكون العسكري، أكثر من مرة، أن يعيد الشركات المملوكة الآن للقوات النظامية، والتي لا تعمل في مجال الصناعات الحربية لوزارة المالية. وذلك لأن هذه الشركات والمؤسسات قد أُنشئت بمال الشعب، وكان النظام البائد قد اغتصبها دون وجه حق، وسخرها لتمكين كوادره، وخدمة تنظيمه، ويجب أن تسترد بعد الثورة، من ضمن الحقوق المنهوبة، التي تعمل الآن لجنة تفكيك النظام البائد على إرجاعها.
وكان موقف المكون العسكري متذبذباً، وغير واضح. فقد صرح مرة بأن شركات المؤسسة العسكرية خط أحمر، ولن ترجع لوزارة المالية. وقال مرة إنهم رصدوا شركات أخرى، لا تتبع للقوات النظامية فاشلة، فلماذا لا تقوم الحكومة باصلاحها، بدلاً من المطالبة بشركات القوات النظامية ؟ ثم عاد المكون العسكري ووافق على تسليم الشركات الى الحكومة!! فقد جاء (اجتازت عملية الانتقال السياسي في السودان عتبة هامة في 17 مارس 2021، حين اتفقت السلطات الانتقالية على نقل مجموعة من الشركات التجارية المملوكة للمؤسسة العسكرية إلى سيطرة الوزارات الحكومية المدنية. ويُعدّ هذا إنجازًا مُلفتًا في بلدٍ هيمنت عليه القوات المسلحة من دون انقطاع تقريبًا منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، ولا سيما أن مسألة نزع الصفة العسكرية عن الشركات التجارية شكلّت نقطة خلافية في العلاقة العسكرية المدنية خلال العام الفائت… لقد أظهر كلٌّ من القوات المسلحة ومجلس الوزراء في السودان من خلال اتفاق 17 مارس أن بإمكانهما العمل سويًا لتعزيز العملية الانتقالية، على الرغم من الفروق والاختلافات. ينبغي على القوى الخارجية أن تنتهز هذه الفرصة الهشة ولكن المشجِّعة، كي تساهم أولًا في تغيير تراتبية الحوافز التي تحكم مقاربة القوى المحلية تجاه عملية نقل الاستثمارات العسكرية، وثانيًا في توفير المساعدة والخبرة الفنية لضمان نجاحها.) (مركز ماكلوم كير – كارينغي للشرق الاوسط 23 أبريل 2021م). ثم ان المكون العسكري نكص على عقبيه مرة أخرى، ولم يسلم الشركات حسب الاتفاق الذي تم في 17 مارس 2021م.
والشركات التي نتحدث عنها هنا، ذات عائدات ضخمة، قادرة على حل كل مشاكلنا الاقتصادية (فقد بلغ عدد الشركات التابعة لمنظومة الصناعات الدفاعية، التي تخضع بدورها إلى وزارة الدفاع، أكثر من 200 شركة بحلول مايو 2020، بمعدّل مداخيل بلغ 110 مليار جنيه سوداني سنويًا “ما كان يعادل 2 مليار دولار أميركي في ذلك الوقت” ويبلغ العدد الإجمالي للشركات العسكرية حوالى 250 شركة، بما فيها تلك التابعة لقوات الدعم السريع، علمًا أن هذه القوات حصلت على مداخيل هامة إضافية من خلال تأجير الجنود للقتال إلى جانب القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في اليمن… ودلّ تبرّعها البالغ مليار دولار إلى بنك السودان المركزي لدعم استيراد السلع الحيوية في العام 2019 على حجم الاحتياطي المالي الذي تحتفظ به.
يوضّح المسح الشامل الذي أجراه الباحث جان – باتيست غالوبان والبحث الآخر المتضمّن “التقييم الأساسي للأمن البشري في السودان وجنوب السودان” ضلوعَ الشركات العسكرية في إنتاج وبيع الذهب والمعادن الأخرى، والرخام، والجلود، والمواشي، والصمغ العربي. وهي منخرطة أيضًا في تجارة الاستيراد — ويُعتقد أن ذلك يشمل السيطرة على 60 في المئة من سوق القمح — والاتصالات، والمصارف، وتوزيع المياه، والتعاقد، والإنشاءات، والتطوير العقاري، والطيران، والنقل، والمنشآت السياحية، وإنتاج الأجهزة المنزلية، والمواسير، والأدوية، والمساحيق، والنسيج). (المصدر السابق).
وفي مطلع عام 2021م صدر المرسوم الأمريكي المتعلق بِـ”الانتقال الديمقراطي، والمساءلة، والشفافية المالية في السودان” وطالب المرسوم بأن تحقّق السلطات السودانية السيطرة المدنية على أموال وأصول الأجهزة الأمنية “بما فيها العسكرية” والاستخباراتية، وإنهاء إتجارها غير المشروع بالموارد المعدنية، وعلى وجهٍ خاص نقل “جميع الحصص في كافة الشركات العامة والخاصة التي تحوزها أو تديرها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية” إلى وزارة المالية أو الهيئات الحكومية الأخرى ذات الصلة والخاضعة للمساءلة أمام السلطات المدنية. ولقد شجّع الإعلان رئيس الوزراء على تجديد المطالبة بإنهاء النشاط التجاري العسكري، الذي اعتبره “غير مقبول”.
والشركات والمؤسسات الاقتصادية الخاضعة الآن لسيطرة القوات النظامية، وقد حرم الشعب، صاحبها الاصلي، من عائداتها كثيرة، ولا يعرف الناس كم عددها، وما مقدار الأموال التي تتحرك بها، لأنها كانت تتم بسرية تامة، لإخفاء ما يجري بداخلها. إن على لجنة التفكيك أن تحصي هذه المؤسسات، وتراجع كافة أوجه نشاطها، وتعرضها على الشعب. ولقد كتب النقيب م. محمد سليمان في الفيس بوك، معدداً بعض هذه الشركات، إحصاءً جاء فيه :
شركات جهاز الأمن:
– شركة بترونيد للبترول -شركة هجليج للبترول – شركة الهدف للخدمات الأمنية – شركة قصر اللؤلؤ الهندسية – شركة الجزيرة للتجارة والخدمات – شركة الراية الخضراء للنقل الجوي – الشركة السودانية للخدمات الجوية – البنك المصري السوداني “مملوك للمخابرات المصرية والسودانية” – شركة تجارة عامة بدبي -شركة سوبا للمياه – أسهم بشركات الاتصال – أسهم بشركات جياد “السيارات – الآلات – الأثاثات – الكيبلات – حديد التسليح”.
شركات القوات المسلحة:
مجموعة الاتجاهات المتعددة – شركة اطلس – مجمع ساريا الصناعي – مجمع سور الصناعي – مجمع الزرقاء الهندسي – مجموعة شركات زادنا – مجموعة شركات النصر.
التصنيع الحربي وفيه اذرع مدنية مثل: جياد للسيارات – جياد للمعدات الزراعية- مصنع ساريا بكل فروعه التي تشمل مصنع احذية ومصنع بطاريات ومصنع بلاستيك ومصنع حاويات الغلال. كما يملك التصنيع الحربي شركة تصدير الثروة الحيوانية وتصدير اللحوم ويتبع لها مسلخ الكدرو. كما أن للتصنيع الحربي شركة استيراد وتصدير تمارس التصدير الزراعي وقد قام بتصدير السمسم والصمغ العربي كما يملك مصنع صافنات لصيانة وبيع الطائرات. كما تملك إدارة الخدمة الوطنية مصنع المسرة للبلاط والرخام والذي يملك 34 محجرا للتعدين في الحديد والذهب وصناعة الجبس والرخام. أيضا يتبع للتصنيع الحربي مدبغة النيل الأبيض للجلود ومصنع نسيج الحصاحيصا.
نعم يحق للقوات المسلحة بعد هيكلتها، وضم قوات الدعم السريع، وكافة الفصائل المسلحة إليها، القيام بالتصنيع الحربي، وهو عمل يقتصر على صناعة الأسلحة وصيانتها، ولا علاقة له بقوت الشعب، ولا منتجاته الزراعية والحيوانية، ولا الصناعات الأخرى التي تستعمل منتجاتها في أعمال مدنية، وليست عسكرية. لقد أشار أحد تقارير البنك الدولي بأن (الأموال التي تمتلكها شركات الأجهزة الأمنية والقوات النظامية يمكن أن تغطي كل ما ينتظره السودان من المانحين)(وسائل التواصل الاجتماعي).
لقد حاول السيد رئيس الوزراء مشكوراً، أن يعيد هذه المؤسسات وعائداتها للشعب السوداني، ولكن المكون العسكري لم يكن صادقاً معه، ولم يكن جاداً في المساهمة في اصلاح الوضع الاقتصادي، ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين، ولهذا تمسك بهذه الشركات، رغم علمه بأن هذه جريمة، كان قد ارتكبها نظام الإخوان المسلمين البائد في حق الشعب، ولا يحق لأي جماعة وطنية، أن تستمر في ممارستها. إن على السيد رئيس الوزراء غير مخاطبة الشعب مباشرة، ووضع الحقائق بين يديه، هو قمين بأن يسترد مؤسساته، مثلما استرد السلطة من نظام الإخوان المسلمين البائد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.