عن الغيرة الأخرى للمصطفي في يوم مولده: حرية التعبير

0 89

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

ترافق مع مولد المصطفى هذه الأيام حدثان وددت استصحابهما في تجديد دعوتي للنهوض بغيرة مبتكرة في محبته بوجه الهزء به بأقلام بعض الغربيين. أما الواقعة الأوي فوفاة الكاريكاتيري السويدي لارش فيلكس في حادث حركة أودى به والشرطيين القائمين بحراسته منذ نشره الرسوم المسيئة لأفضل البشر في ٢٠٠٧. أما الواقعة الثانية فهو ثورة حركة المليون أم المسيحية على مؤسسة نتفلكس للإنتاج الإعلامي لترويجها لرسوم كاريكاتورية مسيئة للسيد المسيح.
وجدت في إذاعة خبر فيلكس بين المسلمين نوعاً من التشفي مما كنت تحسبت له في دعوتي للغيرة المبتكرة للمصطفي. فعد موقع “الرائد” وفاته على ذلك النحو ثأراً مؤجلاً من الرجل. فقال إنه لم تحم الشرطة ذاتها فيلكس من الموت وجاء بالآية: ” أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة”. وهذه حيلة عجز للمؤمن الضعيف في حين دعوت إلى المؤمن القوي الذي يخوض معركته ضد هتر الغرب بنبيه من فوق منصتهم ذاتها عن حرية التعبير التي رفعوها بوجهنا حين احتججنا على إساءة تلك الرسوم له.
لا أعرف كيف يكون موت فيلكس (٧٥ سنة) سوى مجرد خبر ألا لمن يتربص بحقائق في الحياة مثل الموت ليجيرها لصالحه عن ضعف. فقد سبقه من الفانية فرانز فوتشسيل الرسام الدنماركي المسيء بنفس الدرجة أو أشد من على فراش الموت بعد فترة طويلة من اعتلال الصحة ككثيرين غيره. بل إن العالم يخسر ١ فاصل ٣٥ مليون شخصاً في حوادث الطرق بمعدل ٣٧٠٠ شخصاً يومياً. وتحصي أمريكا ٤٠ ألف ضحية لحوادث الحركة كل عام. وبين كل هؤلاء وأولئك محسنون ومسيئون.
وللمؤمن القوي حوبة أخرى غير “إيمان العجائز” هذا وأقول به مضطراً وأنا منهم. وهي حوبة تثقيف الغيرة على المصطفي بدلاً من الاقتصار على الاحتجاج من فوق أقدامنا والهتاف عالي النبرة ضد الغرب. ويعني هذا الاشتباك مع مثل خبر منظمة احتجاج المليون أم المحافظة غيرة على السيد المسيح.
ماذا جاء في باب إساءة النتفلكس للمسيح:
صورت كاريكاتيرات لجمهور من الكبار عيسى على أنه جمهوري النزعة شديد التورط في قيمهم (ترمبي لو شئت) لا عيسى الإنجيلي. فجاء في قسم من منتوج نتفلكس مندوب للمنظمة الوطنية للسلاح. وهي المنظمة التي نذرت نفسها للدفاع عن حق الأمريكي في حمل السلاح حسب التعديل الدستوري الثاني. وهي التي يكرهها كثير من الديمقراطيين كراهية التحريم في حين أنها معشوقة اليمين الجمهوري. ويقوم الرسم على المسيح مصلوباً. وبقدرة قادر تتحول المسامير التي تدبس جسده للصليب إلى بنادق. فيغادر إطار الصلب ليطلق النار على الحراس الرومان فيرديهم قتلى. ولكن سرعان ما نراه وقد واقع فتاتين من عبدته في لباس البكيني في وقت معاً. ونعرف ذلك من الأصوات التي دخلت في المشهد.
والعياذ بالله.
لكن المهم هنا أن شغل نتفلكس لم يمر مرور الكرام. فتصدت له منظمة المليون أم المسيحية بشعار: “لن نأذن من الهزء بعيسى”. وهاجمت نتفلكس لأنها اتخذت قراراً مع سبق الترصد لتروج لمعارف زندقة بحقه. ووصفت فعلها بأنه منفر ودال على غرور شركاتي (corporate) فاضح يستهين بعقائد المسيحيين.
لم تقم المنظمة بعد بأكثر من الاحتجاج. ومع ذلك فهو حق حرمنا منه الغرب باسم حرية التعبير. ولم يتأخر بعض أبناء المسلمين وبناتهم عن زجرنا دون مثل ذلك الاحتجاج. فجعلوا من حرية التعبير مقدساً آخر نخر له ساجدين. وما ساقهم إلى ذلك إلا اعتقادهم أن هذه الحرية منتوج مكتمل الإركان (مثله مثل منتوجات الغرب الأخرى مثل العلمانية) لا يتطرق له أحد بالشك إلا كان خالفاً من العصور الأولى. وخلافاً لذلك فحرية التعبير عملية (process) لم تتخلق في نص نهائي كهنوتي، وخاضعة للتفاوض في سياق التدافع في الثقافات. فقد سبق لي ذكر مواقف لم تشفع حرية الرأي للمبدع. فسحب جولياني لما كان عمدة لنيويورك المال من متحف الفن الحديث لأنه عرض لوحات لفنان نيجيري فعل الأفاعيل بالمسيح. بل سحبت قناة تلفزيونية مسلسلاً عن الرئيس ريقان حين تنمر محبوه عليها. ناهيك عن وجوه “السنسرة” التي تحدق بكل طاعن في الصهيونية.
تنشأ وقائع في الغرب حول حرية التعبير مثل ما جئت به ستخرج بنا، متى أحسنا تحليلها، إلى استراتيجية طويلة المدى في الغيرة للمصطفى نكسر بها الحلقة المفرغة من الفعل وردة الفعل. وسيكون هذا التثقيف في المعنى الذائع من مصطلح الثقافة الذي جاءنا من “تثقيف العود” بمعنى جعله سديد الإصابة. فحوت هذه الوقائع الغربية صنوفاً من ازدواج المعايير الذي هو سمت أهل الشوكة وامتيازهم. ومتى أخذنا بناصية هذه الإمكانات ثقفت الشارع المسلم، ووطنت غيرته الشماء في استراتيجية طويلة المدى لتوقير رموز ديننا.
ومتى غاب المثقف المسلم عن مشهد هذه الوقائع الغربية تبقى غيرتنا للمصطفى شماتة واحتجاجاً على الأرجل. وهذا باب دوار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.