عن صنفين من الحمير (إعادة)
كتب: جعفر عباس
.
زرت قبرص شتاء كي أتمكن من التجول في شواطئها وهي خالية من الكاسيات العاريات، خوفا عليهن من الفتنة، وخوفا على نفسي من ام الجعافر التي كانت بصحبتي، ثم وفي أحد شوارع مدينة نيقوسيا رأيت أتاناً (أنثى الحمار) تجنن، فاقتربت منها والتقطت الصورة المرفقة، فبيني وبين الحمير ود قديم لأنه وبسبب حمار أهداه في خالي محمد (أبيض) لأذهب به الى المدرسة الابتدائية صرت من الطبقة الارستقراطية، وربما عشق الحمير عندي وراثي، فقد كان جدي لأبي يقتني أجمل الحمير في بدين وترك لورثته 12 حمارا، وأرضا لا تصلح حتى لزراعة العُشر، لأنه كان يقايض الحمير التي تعجبه بقطع أراض خصبة.
ومقابل الحمير ذوات الأربع فإنني أنفر من الحمير التي تمشي على اثنتين، ويحكي الدكتور حامد عمار وهو موجه تربوي مصري كيف أنه دخل ذات مرة حجرة دراسة في مدرسة في ريف المنوفية، حيث الحمار هو الجرار والبي ام دبليو والدراجة والفاكس، ووجد المعلم يخوض في موضوع الحيوانات الأليفة (حسب المقرر) ويقول لتلاميذه ان الحمار له أذنان كبيرتان وذيل طويل ويستخدم في التنقل والزراعة. ثم كتب المعلم ملخصا للدرر التي نطق بها على السبورة، لينقلها التلاميذ في دفاترهم ويحفظوا تلك المعلومات القيمة عن الحمار.. يقول د. عمار إنه تدخل وقال للطلاب: عرفتم “حمار الوزارة” فهل تريدون معرفة المزيد عنه؟ فسأله أحدهم: كم سنة يعيش الحمار؟ وسأله آخر: كيف يكون علاج الجروح والقروح في ظهر الحمار؟ ولم يكن عند د. عمار او المعلم إجابة على السؤالين. والشاهد هو ان أولئك التلاميذ كانوا يعرفون عن الحمار أكثر مما يعرفه جميع وزراء التربية في مصر منذ عهد رمسيس الثاني، ولهذا كانوا يطرحون أسئلة في غاية الأهمية عن الحمار.
واحكي لكم عن المزارع الذي أزعجه حمار طفيلي كان يعتدي يوميا على مزرعته ويفتك بمحاصيله، فما كان من المزارع إلا ان قرر التصدي للحمار فوقف بالقرب منه وصاح فيه: اسمع انت يا حمار يا مجهول الأب اخرج من مزرعتي وإلا سيكون لي معك “تصرف آخر”.. ولكن الحمار واصل أكل المزروعات، فما كان من المزارع إلا ان صمم لافتة ضخمة كتب عليها: أخرج من مزرعتي يا تافه يا طفيلي يا ابن السفاح!! فابتعد الحمار عنه قليلا وواصل الأكل والفتك بالنباتات، بل وإمعانا في استفزاز المزارع نثر محتويات مثانته وأمعاءه في أنحاء مختلفة من المزرعة.
قرر أهل القرية مساعدة الرجل في معركته مع الحمار وتجمعوا وشتموا الحمار بألفاظ تطعن في شرف الحمار وأسلافه؛ ولكن الحمار ظل يتنقل من حوض نباتات الى آخر، فأتى أهل القرية بمجسم يشبه الحمار الطفيلي ووضعوه قرب الحمار وسكبوا على المجسم البنزين وأشعلوا فيه النار، ليفهم الحمار أن الجولة القادمة ستكون حاسمة، ولكن الحمار استمر في أفاعيله. فما كان من المزارع إلا ان عمل أن أقام سياجا خشبيا يقسم مزرعته الى نصفين، وصاح في الحمار: أمري لله فقد تركت لك نصف المزرعة تسرح وتمرح فيها، ويا ويلك وظلام ليلك لو جيت ناحية نصف المزرعة الذي يخصني، وفي اليوم التالي فوجئ المزارع بأن الحمار ترك النصف الذي خصصه له بعد تحطيم السياج وأشبع المزروعات في النصف الآخر فتكا؛ فجلس المزارع “يلطم” ويبكي حظه قبالة الحمار: ربنا على المفتري الظالم.. اشمعنى أنا من دون الناس؟ ما لقيت غير مزرعتي هذه؟ وفجأة تقدم صبي صغير وانهال على الحمار ضربا بعصا كانت في يده ففر الحمار حتى اختفى عن الأنظار. قال أهل القرية: ما يصير هيك.. هذا الولد السفروت ينجح فيما فشلنا فيه؟ سنصبح أضحوكة بين أهل القرى المجاورة.. وامسكوا بالصبي وأشبعوه ضربا حتى مات ثم قالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.. عالجنا فضيحتنا بجريمة.. ثم تشاوروا وقالوا إن أفضل مخرج من المأزق هو إعلان ان الفتى شهيد، وأقاموا له نصبا تذكاري.
يحدث هذا عندما تكون السلطة بيد حمير تمشي على رجلين.