عوض عبد الرازق: كيف أساء الطاعنون في الجهل به إليه؟  

0 95

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم  

.

أضحى المرحوم عوض عبد الرازق، سكرتير الحركة السودانية للتحرر الوطني (1946حستو) والحزب الشيوعي لاحقاً، “مكب نفايات” لكل ذي ضغن على التقليد الشيوعي في السودان.وأشقى ما في هذا التكالب على خصومة عوض والحزب الشيوعي لا جهل هؤلاء المتكالبين بسيرة الرجل فحسب، بل الإساءة إليه من حيث لم يحتسبوا. فهو بالتالي جهل مؤسف ومحرج لعوض نفسه كما سنرى.

فقد “تعنعنت” رواية بين كتاب مكب النفايات عن المرحوم الطبيب عبد الوهاب زين العابدين السكرتير الأول والمؤسس لحستو (1946-1947). ومفادها أن من استبعدوه عن سدة السكرتارية فعلوا ذلك لأن به “عرق دساس”. فقال شوقي بدري ” سمعنا أن الحزب الاممي، والذي يدعو للعدالة الاجتماعية، ونبذ الشوفينية والعرقية، قد تجنب انتخاب الاستاذ عبد الوهاب عبد التام لان خلفيته القبلية لن تجعله مقبولا للكثيرين”. وتلقف الرواية عادل عبد العاطي، الذي تأذى من شيوعيّ الأسافير حد الأذى وأذاهم حد الأذى، ولحنها. فقال إن من رأي البعض أن صراع الحزب بين عوض وأستاذنا عبد الخالق حَفَل ب”شوفينية” (عصبية) العناصر الشمالية في حستو التي لم تطق أن تعمل تحت قيادة عنصر من أصول نوبية وجنوبية؛ وهى الأصول التي انتمى إليها عبد الوهاب زين العابدين عبد التام؛ أول سكرتير عام لحستو؛ وابن زين العابدين عبد التام؛ أحد نشطاء وقواد ثورة العام 1924″.

ثم أخذ محمد جلال هاشم بالرواية وتفنن فيها كما هو معروف عنه. فوضع لها مقدمات موسيقية وخلفيات ميلودية بلغ بها عنان الضلالات. فرأى في نزاع أستاذنا عبد الخالق وعوض إعادة إنتاج لصراع خفي ظاهر بين الأبروفيين (أولاد القبايل) ضدّ الفيليّين (أولاد العبيد).

ولا أدري كيف اختلط الأمر هكذا على محمد جلال الذي دربناه على تحري الدقة في مدارج الجامعة. فالصراع الذي أشار إليه هو صراع جرى في أروقة نادي الخريجين بأم درمان في 1930 بين شيعة الفيليين (نسبة إلى شيخ الفيل) والشوقيين (نسبة إلى محمد على شوقي). وكان بعض شباب الأبروفيين (ومنهم أولاد الكد) طرفاً في الصراع. ولا عبيد ولا يحزنون. بل تخللت النزاع مطاعن لشوقي بأنه من المواليد مما خسر به الفيليون الانتخابات. وقال محمد جلال إن من فرط استهتار الحزب الشيوعي بأول سكرتير له أن جاء بصورة له في المعرض المقام في مناسبة انعقاد مؤتمره الخامس في 2009 وعرّفه بأنه فنان تشكيلي. ومن رأي محمد جلال أن هذه التعمية ” ربّما ليست سوى حلقة في مشوار طويل بدأ بإزاحة د. عبد الوهاب من قيادة الحزب بغية تدجين الحزب داخل فضاءالأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة، مروراً بإزاحة عوض عبد الرّازق عن القيادة ليحلّ محلّه عبد الخالق محجوب (دون تشكيك منّا في قدراته) ضمن المفاصلات التي عُرفت باسم “صراع الفيليّين والأبروفيّين” لينتهي الأمر أخيراً بابن أبوروف عبد الخالق محجوب كسكرتير عام للحزب بعد عوض عبد الرّازق.” ويا كبرة فولايه! تكبير!

من احتاج إلى مثل شوقي وعادل ومحمد جلال لإنصافه طال انتظاره. فقد غاب عنهم في تحرير ضغينتهم على الشيوعيين، ووصمهم بالعنصرية أن عوض، لا عبد الخالق، هو الذي احتل مركز سكرتارية الحزب بعد معركة 1947 التي شارك فيها عبد الخالق وهو ما زال طالباً بمصر ضمن طلاب شيوعيين جذريين لم تعجبهم تقية عبد الوهاب السياسية. فإذا وقع اقصاء عبد الوهاب بسبب “عرقه الدساس” فالوزر الأكبر واقع على عوض “الذي مسك بدلو” في مرواحة على أغنية سودانية اتهمت الرئيس جونسون نائب الرئيس كنيدي الذي تولى رئاسة أمريكا بعد اغتيال كنيدي. قالت الأغنية:

 

كندي مين كتلو؟

 

أسألو جونسون المسك بدلو.

 

ليس عبد الوهاب بحاجة لرد الاعتبار من هؤلاء الطاعنين في الجهل. كان مقدماً في جيله. فلربما كان أطول سكرتيري مؤتمر الخريجين (١٩٣٨) دواماً كما تجده في محاضر مؤتمر الخريجين الني حررها معتصم لي الحاج. وجاء فيصل عبد الرحمن علي طه بسيرته في الحركة الاتحادية. فكان ضمن مناديب الاتحاديين الذين اجتمعوا بمنزل محمد نجيب في نوفمبر 1952 في إطار الجهود المصرية لتوحيد فصائل دعاة الوحدة مع مصر في حزب واحد. وهو الاجتماع الذي خرج منه الحزب الوطني الاتحادي. وكان عبد الوهاب زعيماً لفصيل وحدة وادي النيل فيه ومطلبهم وحدة اندماجية مع مصر. واتفق للاجتماع أن يكون عبد الوهاب في لجنة الحزب الجديد المركزية نائباً لأمين الصندوق.

لا أدري كيف قبل به الاتحاديون بصفته ورفضه اليساريون؟ كفى حكياً حكائياَ أخرقاً؟ وكونوا تاريخيين!

!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.