في الاعتماد على الذات
كتب د. النور حمد
يتوقع بعض الخبراء أن تكون الأزمة الاقتصادية، التي تعقب جائحة كورونا، أكبر من الأزمة العالمية التي حدثت في نهايات عشرينات القرن الماضي. يقول فريد زكريا صاحب البرنامج الشهير بقناة “سي إن إن”، الأمريكية، إن الأعمال التجارية الصغيرة لن تتعافى بسرعة. مثال: الفنادق، والمطاعم، والمقاهي، والحوانيت، وغيرها، بسبب انقطاع متسلسلة إمدادها بالمواد، وهي متسلسلة مترابطة ومعقدة. كمل سيتأذى بعضها بسبب عزوف الزبائن عن ارتيادها. يضاف إلى ذلك أن العاملين في هذه الأعمال، قد جرى تسريحهم. فهم غالبًا ما سيقومون بالبحث عن أعمال أخرى، وقد يضطرون إلى تغيير أماكن سكنهم، فيرحلون من مدينة إلى مدينة، أو حتى من ولاية إلى ولاية. وقد فقد، حتى الآن، ما يقارب الثلاثين مليون أمريكي وظائفهم، وقد يزداد هذا العدد. وإذا أضفنا إلى ذلك انهيار صناعة السفر، والسياحة وتراجع أسعار البترول، والتوتر بين الصين والولايات المتحدة، فإن متغيرات جديدة، كثيرة، غاية في الخطورة، سوف تدخل في الصورة. ويكفي فقط، أن عالمًا من عيار نعوم تشومسكي، يتوقع أن يكون ما بعد جائحة كورونا، أسوأ مما يشكوه العالم منها الآن.
ليس واضحًا، حتى الآن، ما إذا كانت هذه الجائحة ستنقشع تمامًا، أم أنها ستكرر في موجات جديدة، تطيل من سياسة التباعد الاجتماعي، التي سوف تؤثر، كثيرًا، على قطاعي الصناعة والخدمات. أما المهم بالنسبة لنا نحن، هنا في السودان، فهو أن تحدياتٍ جديةً ربما تظهر في مجال الغذاء. فالدول التي كانت تصدر الحبوب، ربما تصبح أكثر ميلاً إلى التخزين، تحسُّبًا لما هو أسوأ، الأمر الذي سيضر بالدول المستوردة. وبلادنا من البلدان التي تستورد أكثر من 50% من قوتها الضروري. فإن كانت مشكلتنا حاليًا هي عدم توفر العملة الصعبة لشراء الحبوب من الخارج، فلربما تصبح المشكلة، غدًا، عدم توفر الحبوب، نفسها، في السوق العالمي. أو ارتفاع أسعارها بصورةٍ تجعلها فوق طاقة المستهلكين الشرائية، وفوق قدرة الدولة على الدعم. وقد ينطبق ذلك على ضروريات أخرى من المواد الغذائية، وقد يطال ذلك بعض صنوف الدواء.
إذن، لا خيار لنا سوى أن نفكر في أننا سنواجه تحديات جديدة. فيد العون غدًا لن تكون كما هي اليوم. فلابد لنا، على سبيل المثال، أن نصل بإنتاجيتنا من القمح إلى الضعف، أو أن نغير عادتنا الغذائية المستحدثة، بالعودة إلى الذرة، والدخن، كما كان حال غالبيتنا، في الماضي. الخطير في الأمر أن جدلنا السياسي الدائر الآن، غارقٌ في تجريدات الصراع، عازفٌ عن التفكير الاستراتيجي، وعن إدارة الحوار حول المخاطر الاقتصادية المحتملة لهذه الجائحة. ولربما من حسن حظنا، أن مجتمعاتنا لا تزال قريبةً من الأرض، ومن مجمل الأساليب القديمة لكسب العيش، وهذه ميزة، في هذه اللحظة المفصلية، لكن، علينا أن نعرف كيف نعود إليها.