في انتظار “الحلو والمر”

0 73
كتب: عميد د. الطاهر أبوهاجة
.

شهد التاريخ السوداني القديم والحديث محطات شهيرة موثقة توحدت فيها كلمة السودانيين، فالتاريخ يحدثنا عن عمارة دنقس وعبدالله جماع “الفونج والعبدلاب” يؤسسان مملكة سنار، ويحدثنا عن التفاف السودانيين حول قيم الثورة المهدية.

ذروة التلاحم في تحرير الخرطوم 26 يناير 1885م ، ثم من بعد ذلك الاتفاق على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، وكل الثورات والانتفاضات الشعبية التي كان آخرها ديسمبر المجيدة هذا على سبيل المثال لا الحصر، لم يقل المفاوضون بعد توقيع اتفاق السلام بجوبا مع حركات الكفاح المسلح في الثالث من أكتوبر 2020 لم يقولوا أن ذاك الاتفاق هو نهاية المطاف وأن قطار السلام قد تحرك وأسرع فمن ركب ركب ومن فاته فلا سبيل للحاق به، لكنهم كانوا يجلسون مع الحلو عشية التوقيع وأعلنوا استعدادهم للجلوس مع عبدالواحد، إذن هناك إرادة تفاوضية للإستماع لكل الرؤى الوطنية فلا حدود هنا للحوار، فإطالة أمد الحوار أفضل من إطالة أمد الحرب.

إن جو الحريات التي تعيشه بلادنا منذ التغيير وحتى اليوم ينبغى أن ينتج طاقات إيجابية، وهذا الجو كفيل بتوسيع آفاق الحوار وتهيئة البيئة الصالحة لمعالجة كل القضايا بعقل مفتوح ونظرة شاملة.

إنه لقد إنتهى زمان فرض الأراء ووجهات النظر الآحادية، إنتهى زمن الإملاءات وسلب الإرادة وتمرير الحلول المعلبة التي تعقد الأمور وتأجج الفتن.

اتفاقية السلام جهد بشري مقدر يستحق فاعلوه التكريم والتشجيع، كما أنها ملك للشعب السوداني من حقه نقدها وتشريحها وإجراء كل عمليات الجرح والتعديل، فلا قيود على العقل البشري ولا حجر لحرية الأفراد لأجل الوصول إلى غايات ترضي الجميع ولأجل الوصول إلى حل شامل ينقلنا من عالم الدماء والدمار والنزوح والدموع إلى عوالم السلام والاستقرار والتنمية المستدامة.

فلنردد الآن إنه لا رجعة للحرب كما قال السيد رئيس مجلس السيادة لكننا حقا قطعنا أشواطا كبيرة من المرحلة الصعبة وولجنا إلى المرحلة الأصعب وهي مرحلة الصبر على الحوار وقبول الآخر والتجرد لأجل الأهداف الكلية بعيداً عن المحاصصات الجهوية والحزبية.

إن الديمقراطية المفقودة ببلادنا تحتاج إلى تأسيس بناء سياسي راسخ وفق رؤية استراتيجية تحقق الحد الأدنى من التلاحم والوحدة الوطنية الصلبة التي تقفز فوق الصغائر نحو الأهداف الكبرى التي تعبد الطريق نحو فرص التنمية والاستقرار الأمني.. نعم إنه لا سقف زمني محدد لأمد الحوار فإطالة أمده أفيد بألف مرة من إطالة أمد الحرب، فالدعم الخارجي لهذا الاتفاق مهم لكن الأهم هو دعم شعب السودان بكل مكوناته وكياناته والتفافه ودعمه لهذا الكسب التاريخي المهم فذاك هو النجاح الحقيقي.

نحتاج إلى منصة قومية صلبة ننطلق منها نحو الإنتاج والإعمار والتلاحم والحب والوفاء والإخلاص لهذه الأرض المعطاءة، نحتاج إلى نزع كل ما بداخل النفوس من غل وبغضاء وتناسي كل مآسي الماضي، فالعدالة الإنتقالية وما تحمله من قيم التسامح هي طوق النجاة والتي ستفرز مجتمعاً معافى نفسياً واجتماعياً ويصبح السلام عنده ثقافة راسخة وقناعة لا تتزحزح، فالسلام الذي تتبنى الشعوب تنفيذه سيصل إلى غاياته لا محال، سننتظر الحلو والمر لأجل هذا الوطن العزيز.

يا ضلنا المرسوم على رمل المسافة وشاكي من طول الطريق

قول للبنيه الخائفة من نار الحروف

تحرق بيوتات الفريق

قول ليها ما تتخوفي

دي النسمة بتجيب الأمل

والأمل بصبح رفيق

و الأصلو في الجوف اندفن

لا بتنسي لا بنمحي لا بنتهي منه الحريق

و الفينا من آهات اليمه فى حكاوينا القديمة

لا بيرحل عن عيونا ولا بتغشاه الهزيمة

و القبيل راجينو نحنا يوم تبشر بيهو غيمة

لما تمطر يوم علينا

الفرح يملا المدينة

والبلودات الحزينة

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.