تقدير موقف : ذوالنون سليمان ، مركز تقدم للسياسات
مقدمة:
مذكرة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش جوهرها الاعتراض على دعوة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لاجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة. وقع على المُذكرة اثنا عشر وزيرا في حكومة حمدوك السابقة وأثنان من أعضاء المجلس السيادي. وقالت المُذكرة إنّ دعوة البرهان لأعمال الجمعية العامة يتناقض مع مواقف المؤسسات الدولية والإقليمية المُناهضة للانقلابات العسكرية. واضافت المُذكرة ان مُشاركة عبد الفتاح البرهان من شأنها إطالة أمد الحرب وتشجع على الانقلابات التي زادت حدتها مؤخرًا في إفريقيا. وان البرهان قاد انقلابا عسكريًا ضد حكومة مدنية أدى لانهيار دستوري في البلاد، ترتبت عليه حكومة أمر واقع لم تصمد طويلًا، وحل مكانها غرفة عمليات حربية تدير المعارك والبلاد منذ 15 أبريل الماضي.
قراءة :
• مذكرة عبدالله حمدوك للأمين العام للأمم المتحدة لا تنفصل عن الحراك السياسي الذي يقوم به الان في أديس ابابا مع القوي السياسية والمنظمات المدنية السودانية وفق خارطة منظمة “الايقاد” للحل السياسي للصراع المسلح، وهي تأتي مكملة لمقترحاته التي قدمها للشعب السوداني في شهر مايو مع بداية الصراع، وذلك عندما قام بتوجيه نداء للمجتمع الدولي والإقليمي وأصدقاء وشركاء السودان لتوظيف مجهوداتهم لتحقيق الأولويات التالية:
– وقف فوري لإطلاق النار يكون خاضعا للمراقبة، حتي تتوفر السلامة للمواطنين والأجانب في مناطق القتال
– اتفاق بين القوات المسلحة السودانية / قوات الدعم السريع لإنشاء ممرات إنسانية دائمة وموثوقة وآمنة وحماية البنية التحتية الحيوية.
– حوار عاجل بين القوات المسلحة السودانية / قوات الدعم السريع لتوفير الأساس لوقف دائم لإطلاق النار وإشراك المدنيين السودانيين في مفاوضات شاملة تهدف إلى وقف الحرب وإحلال السلام.
– استئناف العملية السياسية والانتقال الديمقراطي.
• يمكن القول ان ظهور عبد الله حمدوك بهذا الاعتراض على الصفة التمثيلية للبرهان ، والتشكيك في شرعيته , وتحميل طرفي الصراع مسؤولية الحرب واعتبارهم شركاء في انقلاب أكتوبر الماضي ، ذلك يمكن ان يقرأ في باب محاولة تجاوز عقدة الاستقطاب السياسي الحاد وامتداداته في الحركات المسلحة والقوى المدنية والذي يتركز اليوم في اديس ابابا وبورتسودان ، يستند في ذلك الى بروز اتجاه جديد ، له حيثياته في الواقع السوداني يرى ان قوى العمل السياسي والمدني بكل أطرافها ، فشلت في تقديم رؤية موحدة لإنهاء الحرب والاتفاق حول مستقبل العملية السياسية ومؤسساتها الانتقالية .
• في ذلك يؤسس حمدوك وفريقه السياسي لمسار ثالث يتجاوز ثنائية المكون المدني والعسكري وشراكتهم الفاشلة إبان الفترة الانتقالية والتي مثلت إحدى العوامل التي ساعدت على اندلاع الحرب بين الجيش وحلفه من ميلشيات النظام القديم والدعم السريع.
• ينطلق حمدوك في حراكه من اليات منظمة “الايقاد “الرباعية للحل السياسي من خلال إشراك قوى سياسية ومدنية في الحوار والحل، ومن إرثه السياسي كأحد أيقونات حكومة الثورة الانتقالية القادرة علي التعاطي مع تحديات ما بعد الحرب من خلال إدارة فترة انتقالية جديدة بمعزل من هيمنة وسيطرة طرفا الوثيقة الدستورية (المكون المدني والعسكري) وإملاءات ومشاكسات الحواضن السياسية , وبشرعية وسلطات كاملة تستند على اتفاقية السلام ورعاية المجتمع الدولي والإقليمي لها .
• التقدير ، ان هذا الحراك يصطدم بتطلعات قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي التي ترى أحقيتها بتشكيل الحكومة الانتقالية بصفتها ممثلة للثورة والطرف الرئيسي في الاتفاق الاطاري , ووفقا لمصادر حول الحوارات التي جرت في العاصمة الاثيوبية ,فإن حمدوك لم يقبل بتكرار الوصفة السابقة ابان الفترة الانتقالية , وذلك بالمشاركة تحت مظلة المجلس المركزي , وشكلت هذه القضية عقبة في لقاءات التحالف الأخيرة باديس ابابا تحضيرا للحوار السوداني الشامل برعاية الايقاد, خصوصا بعد تجربته السابقة والتي حمل فيها الحاضنة السياسية لحكومته “بعض” المسؤوليات حول فشل تجربة حكمه .
• حمدوك في الواقع يفتح بابا اخر لصراع الشرعيات, ويضع نفسه كرئيس حكومة تم الانقلاب عليها في مواجهة طرفا الصراع العسكري وشرعياتهم القائمة على البندقية , وهو بمثابة الإعلان الرسمي لعدم اعترافه بشرعية الجنرالين ، البرهان وحميدتي، والاعلان عن نفسه كصاحب حق في تشكيل الحكومة القادمة في السودان , يستند حمدوك في ذلك الى شرعية التوافق والرضى الوطني والشعبي بعد كارثة الحرب المستمرة وكذا الى دعم المجتمع الإقليمي والدولي والذي يفترض ان حمدوك حصل على إشارات جدية من العواصم المعنية وتشجيع لوضع اعتراضه على شرعية البرهان ومشروع الحرب برمته .
• السودان اليوم امام بلورة لسيناريوهات جديدة قد تخرج البلاد من خيار الحسم العسكري الذي وصل الى طريق مسدود ،خيار قد يشكل امتحانا للاطراف السياسية ولإدراكها السياسي الذي غاب طيلة اشهر الحرب الكارثية
• باستعراض مذكرة حمدوك للأمين العام للأمم المتحدة وتصريحاته بعد الحرب ، والاهم ، الطاقم الذي وقع معه على المذكرة ،- عضو المجلس السيادي ، محمد حسن التعايشي ووزير العدل الأسبق نصرالدين عبد الباري .- ومعهم اثنا عشر وزيرا ، يمكن استخلاص ان مشروعه اقرب الى الدعم السريع ورؤيته للحل والتي قدمها مع نهاية الشهر الثالث للحرب والتي تقول” بان لا مطمح ولا مطمع له في السلطة الانتقالية ، وانه سيعيد السلطة الى القوى المدنية بصلاحيات كاملة واخراج الجيش مرة والى الابد من الحياة السياسية للبلد ” سيناريو طريق ثالث يطالب بحكومة انتقالية مدنية برئاسة عبدالله حمدوك ، تقوم على توافق وطني شامل وبدعم دولي واقليمي ، وإخراج كل اطراف الصراع المسلح وتحالفاتهم من المشهد السياسي الانتقالي، الى حين اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وإقرار دستور دائم للبلاد .