قال أستاذنا عبد الخالق محجوب إنها قطعة في الأدب الثوري

0 86
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
وقعت على فايل على كمبيوتري عنونته ب”مذكرات” ليوم أفرغ فيه لكتابة سيرتي. ووجدت فيه مقتطفات ورؤوس موضوعات للتذكير بوقائع من الماضي. وبدا لي أنني خصصت هذا الفايل بالذات لحكاية تفرغي للحزب الشيوعي في ١٩٧٠ للعمل “موظفاً بالحزب” كما كان الجيل منا يفخر متى حقق الأمن معه. واقتطفت في الفايل فقرة من كتاب “ذكريات معتقل” لصدقي كبلو جاء فيها ذكر تفرغي بين يدي أستاذنا عبد الخالق محجوب:
“أذكر أيضا أنه ذات مرة وأنا أدخل مكاتب (جريدة) الميدان القديمة قرب مطبعة التمدن، والتي تحولت لمكاتب للحزب بعد مصادرة الميدان، أن وجدت عبد الخالق ومعه المرحوم الدكتور عبد الله محمد الحسن (ت ١٩٧٥) وكان يعمل في هيئة تحرير الشيوعي (المجلة النظرية للحزب)، أن ناداني عبد الخالق وقال لي أجلس حتى أخلص فجلست. وكان عبد الله يستعرض معه محتويات عدد جديد من الشيوعي. وسأل عبد الله عبد الخالق عما يفعل بطلب عبد الله علي إبراهيم للتفرغ هل ينشره كله أم يلخصه. فقال عبد الخالق هذه قطعة في الأدب الثوري يجب أن تنشرها كله. ولكن استأذن عبد الله علي إبراهيم أولاً”.
لم يبق أثر الآن من هذه القطعة الأدبية في قول أستاذنا. لكني أذكر مزاجي قبل كتابتها وخلالها. وكانت بشكل خاص تضامناً معه علاوة على أنها بعض ترقيّ في سلم القيادة في الحزب الذي التحقت به في ١٩٦٠ وغادرته في ١٩٧٨. كان الحزب وقت طلبت التفرغ في 1970 على شفا انقسام بين فريق أستاذنا ممن عارضوا انقلاب مايو ١٩٢٥ وقبلوه بعد قيامه تنزلاً عند رأى اللجنة المركزية، والجماعة التي بايعت الانقلاب على المنشط والمكره لا يبغون حولا. وكنت من هذه الجماعة الأخيرة مزاجاً بعد وقوع الانقلاب مباشرة. بل لم أنتظر رأى الحزب فيه فكنت في أول مظاهرة خرجت لتأييده صباح وقوعه. وأعرف أن الحزب حقق لاحقاً مع رفاق من المحامين فعلوا فعلتي وسلمت أنا. وصدر بيان الحزب في مساء ٢٥ مايو صريحاً في أن ما وقع صباح ذلك اليوم كان انقلاباً عسكرياً بينما سماه أهله “ثورة”. وكان البيان الذي صاغه أستاذنا على بغض للانقلاب جافياً حتى وصفه عمر مصطفي المكي، عضو المكتب السياسي الجانح لتأييد الانقلاب، ب”الوثيقة الملعون” من فرط قسوة تحليله لما ينتظر الثورة السودانية من انقلاب تقوده البرجوازية الصغيرة المتذبذبة.
ووجدت البيان جافياً ومثيراً معاً. وتأتى لي في ذلك الظرف زيارة لمنزل أستاذنا بحي السيد المكي بأم درمان بصحبة رفيقي وود عمي عبد الله محي الدين، القائد الشيوعي المميز بحلة الداخلة بعطبرة، الذي جاء ليعرض ما عنده على السكرتير العام. وسنحت لي خلال ذلك خلوة قصيرة مع أستاذنا سألته فيها عن الوثيقة الملعونة. وأوجز وكفى وأوفى. ولم يترك في نفسي بعدها قلامة ظفر من شك حول صحة موقفه من الانقلاب. كانت الأشياء عنده واضحة كالشمس في رابعة النهار وعميقة كصهيل الخيل.
لم يكن ما بيني وبين أستاذنا عامراً طول الوقت. غالطته وهو يجتمع برابطة الطلاب الشيوعيين سراً تحت لبخة بشارع النيل في نحو 1963. وغالطته وهو يجتمع بمكتب التعليم الحزبي في نحو 1966. وكان غلاطي معه لأجل الغلاط وبمثابة احتجاج على طقوس القداسة التي يلقاها من الرفاق. وعلمت مؤخراً أنه لم يكن يستلطف مقالات لي في “أخبار الأسبوع” بعنوان “يا أحزان السودان اتحدي” التي أفرطت فيها تأثراً ب”طبقات ود ضيف الله”.
وجاءت ساعة المحبة له إلى تاريخه في عام 1968. وهو عام كئيب. سميته في موضع آخر ب”عام القبرصي” وهو خمر الشرى الذي عللنا منه ونهلنا سقماً من نكسة أكتوبر، وحل حزبنا، وهجمة العجكو، ونذر الدستور الإسلامي في البرلمان. وطشمنا جد كما قال الدوش. وزاد الطين بِلة ما ضرب الحزب من وهن وخلاف في ما عرف ب”زواج السكرتير”. فاعترضت قيادات منه على زواج أستاذنا من أرملته الحالية. وبلغ بي السقم من ذلك أن كتبت كلمة يمكن ايجازها في “أبان مسوحاً نيفيا”. وفيها هنأت الحاج عبد الرحمن، القيادي العمالي، على فوزه بدائرة عطبرة ولم أذكر لأستاذنا فوزه بدائرة أم درمان الجنوبية. وغير خاف مطاعنتي له وهو الأنيق المعطر رحمه الله. ولم ينس لي أحمد سليمان، الذي خرج على صديقه أستاذنا في 1970 بينما كان يحلف برأسه في الماضي، لي هذه المقالة. وطاعنني يوماً رآني أشيد بأستاذنا فقال لي من مثل “من متين دا”!
ونكملها إن شاء الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.