قدل شيخي: كان أستاذنا عبد الخالق محجوب يرى الملكية الفردية وضراً يؤثم

0 128
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
لم أجد ما استحق الرد في كلمة السيدة نعمات مالك التي علقت بها على مقالة لي طلبت فيها منها أن تسلمني ٣ مخطوطات لأستاذنا زوجها عبد الحالق محجوب. وكان أودعني إياها وعددها أربعة حين ولاني على دار الفكر الاشتراكي بعد استدراجي للتفرغ للعمل الثقافي للحزب الشيوعي في ١٩٧٠. ولأنها معربات لعلماء جمال روس انتهزت سانحة زيارة للاتحاد السوفيتي لأعرض نشرها بالاشتراك مع دار اللغات الأجنبية السوفيتية. وكرهني من تحدثت إليه في الاشتراكية ذاتها.
ثم أحسنت تأمين المخطوطات قبيل محنة ١٩ يوليو وحرائق أوراق الشيوعيين لاهبة سوى واحدة كانت بيد طابع يعدها للنشر. ولما خرجت من المعتقل في مايو ١٩٧٣ تركت الثلاث مسودات وداعة عند عضو مركزية الحزب سعاد إبراهيم أحمد لأنني كنت بصدد النزول تحت الأرض في حلقة الكادر الشيوعي. وعلمت منها مؤخراً أنها سلمتها لنعمات مالك. وشاء الحظ السعيد أن تظهر الوثيقة الغائبة مودعة في دار الوثائق في ٢٠١٧. فأخذناها وعكفنا على تحريرها ونشرها في ٢٠١٩. وشجعني ذلك بالحديث إلى نعمات لأحصل على بقية المخطوطات لنشرها كسابقتها. ولم تستجب لمناشداتي ولا لخاطر من وسطتهم. فكتبت قبل يومين كلمتي “نعمات مالك: ردي الأمانة لصاحب الأمانة”. وهي استغاثة قبل كونها احتجاجاً.
ساءت كلمتي نعمات. ولم أجد في ردها مع ذلك ما يستحق الرد. فهي شنشنة شيوعيين ابتلانا الله بها وصبرّنا عليها. ولكن استثارني للتعليق هنا برغم ذلك رميها لي بالتطفل على كتابات أستاذنا في وجودها وأولاده كالورثة الشرعيين. ولا أجد نفسي مدفوعاً للتعليق على هذا التوبيخ تفريجاً لكربة من قولها بل لأنها مناسبة أوالي فيها التعريف بأستاذنا كإنسان أشقاه “الخلق الوعر والحفاظ المر” كما كتبت في عيد ميلاده الثالث والتسعين في سبتمبر الماضي.
لم يعرض أستاذنا نفسه يوماً كموضوع للوراثة. فمن أحواله رحمه الله أنه تجرد من كسب الدنيا بالمرة. ورأى كماركسي حق في الملكية الفردية، مادة الوراثة والورثة، وضراً يتأثم منه. وشهدت ببعض ذلك نعمات نفسها في حديث مع الصحافي عادل سيد أحمد لم يوثق له عبد الماجد بوب في كتابه “١٩ يوليو: إضاءات ووثائق”. فقالت إن زوجها أهدي ساعته للشنّاق وهو في طريقه للمشنقة حتى “لا يسرقها هؤلاء الحرامية” وهم ناس نميري. ثم قالت إنها التقت خارج السودان بضابط جيش قال إن أستاذنا أوصاه برسالة لها: “انتو ما حتكون عندكم مشكلة والعربية التي كانت طرفي هي عربة الحزب تسلم للحزب”. وذاع هذا الخبر كثيراً.
أما عن زهادة أستاذنا عبد الخالق في مُلك الدنيا فتجلت في اجتماع للجنة المركزية للحزب الشيوعي يومي ٢٣ و٢٤ مايو ١٩٧٠ والخصومة بين جناحه وجناح معاوية إبراهيم حول تكتيكات الحزب حيال انقلاب ٢٥ مايو على أشدها. فحمل العضو المميز في جناح معاوية شيخ الأمين محمد الأمين، القيادي بحركة مزارعي الجزيرة ووزير الصحة في حكومة ثورة أكتوبر الأولى، على أستاذنا في الاجتماع. وقال إنه لا يمثل المسلك الشيوعي الحقيقي لأنه جاء للحزب من طبقة غير عمالية ولم يتمرد على طبقته الأصل كما فعل غيره. ومن مظاهر ذلك امتلاكه لسيارة.
ولما جاءت فرصة أستاذنا للرد أعاد قول الأمين عن امتلاكه لسيارة وقال “أود أن أوضح أنني لا أملك عربة لأنها خاصة بالحزب. الشيوعي وليست مسجلة باسمي مثل العربات في الجزيرة وحلفا وغيرها”. وبدا هنا كمن يطاعن شيخ الأمين كما سيرد. وأضاف: “أما الملكية الخاصة فقد تحررت منها قبل أن أكون شيوعياً لأنني مرتبط بالثقافة الإنسانية والإنسان”. ثم عدد ما تنازل منه: ملكية في قريته البركل علاوة على ٢٩٦ متر من دار الأسرة في أم درمان. وقال إن بيته الذي يسكن فيه مؤسسة حزبية يمتلك الحزب فيها كل شيء حتى ملابسه. ولو قرر الحزب أي شيء بشأنه فسيرد له كل ما جاد عليه به.
وعاد لمطاعنة شيخ الأمين قائلا عرفناه مزارعاً صغيرا في عام ١٩٥٣. وهو هنا كمن أوحى أنه تغير وصار من أغنياء المزارعين الذين يسيطرون على حركة المزارعين. وبالنتيجة نفر منه المزارعون وتدنت أصواته في انتخابات المزارعين. وعاد شيخ الأمين في نهاية الجلسة ليعقب على كلمة أستاذنا. فقال إنه يتأسف لأن سكرتير الحزب لا يلم بملكيات زملاء له في اللجنة المركزية فهو نفسه لا يملك شيئاً. وخلاصة الأمر، في قول الأمين، ليست في ملكية أستاذنا مهما كانت وإنما في مستوي معيشته الفاخر.
لا أدري ما بَقي من هذا الرجل للورثة سوي الوعي؟ ونحن شركاء فيه كالماء والكلأ. وأردنا والله لبعض الوعي الذي قال أستاذنا في يوم الهول إنه إرثه أن يضوع بنشر مخطوطاته وصية مغلظة منه. وقال سبحانه وتعالى” ” من بعد وصية يوصي بها أو دين”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.