قوات الدعم السريع وآفاق الديمقراطية في المرحلة الانتقالية في السودان
مرشح لنيل الدكتوراة من الجامعة الأمريكية- بافريقيا (نيروبي) متخصصا في دراسات الأمن و السلام
.
يثير الموقف الشاذ لقوات الدعم السريع (RSF) في الهيكل الأمني السوداني تساؤلاً حول الاحتمالات المرتقبة في التحول الديمقراطي وكيف للسودان ان ينعم بالسلام و الاستقرار في و جود قوتين نظاميتين احدهما تحت امرة الدولة بينما الأخرى تحت قيادة أسرة لها ميزانية خاصة لا تخضع للرقابة و لها علاقات خارجية ممتدة خارج النظم الدبلوماسية الرسمية.
هذه هي حقيقة قوات الدعم السريع و التي تتمتع بوضعية خاصة لا تخضع لرقابة الدولة و النظم الديمقراطية فمهما برر المسؤولون لوجود هذه القوات، فإن الواقع يقدم أدلة مضادة.
هذا المقال يتناول ظاهرة الدعم السريع من منظور منهج دراسات الأمن الحديث معللاً بأنه و بالرغم من الاستخدام المتزايد للهيئات الأمنية الخاصة محليًا ودوليًا ، فإن الوضع الحالي لقوات الدعم السريع يضر بعملية التحول الديمقراطي ويرجع ذلك إلى طبيعة وبنية هذه القوات وعقيدتها المبنية علي منهج مكافحة التمرد (counter insurgency). هذه القوات تستقي شرعيته من قانون مكافحة التمرد و الذي اعطاها السلطة في الانتهاكات خارج العرف القانوني (extra-judicial) بينما تستمد سلطتها المالية بالسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الغنية بالموارد المعدنية لتحفيز افرادها. فقبل الدخول في صدر المقال ساتناول بإيجاز وجهات النظر حول استخدام القوات العسكرية والأمنية الخاصة بشكل عام.
تعتبر الشركات الأمنية و العسكرية الخاصة احد أهم التطورات الحديثة في دراسات الأمن نسبة لدورها المتصاعد في سد الثغرات الأمنية خاصة بعد الحرب الباردة وما بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر. ويرجع ذلك أساسًا إلى قدرة هذه القوات فى التعامل مع مواقف تعتبر ذات كلفة عالية للجيوش التقليدية. علي هذا الاساس تعاقدت الحكومة الامريكية مع بعض الشركات الخاصة مثل البلاك ووتر (Blackwater) في حربها بالخليج و حربها علي الإرهاب مثل حربها في العراق وأفغانستان و الصومال كما تعاقدت سيراليون و انغولا مع شركات امنية خاصة مثل ساندلاين (Sandline) و اكيزيكتيف اوتكام (Executive Outcome).
بعض الامثلة الحديثة تشمل تعاقد حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى مع عسكريين روس لتعزيز قدرتها الأمنية في ردع المتمردين وتدريب قواتها العسكرية. فبالرغم من اختلاف قوات الدعم السريع حيث التكوين لكن بلا شك ان فكرة صنع قوات خاصة خارج المنظومة الامنية لتعمل علي نظام التعاقد لتقوم بالادوار القذرة (dirty work) ليست بعيدة عن فكر النظام البائد في تكوينه للدعم السريع خصوصاً بعد اتهام رموزه و رئيسه في العام 2009م بضلوعهم في الانتهاكات الجسيمة بدارفور.
في كتابه “السياسة الحقيقية للقرن الأفريقي: المال والحرب وأعمال السلطة” استحدث بروفيسور اليكس دي ووال مصطلح “الريعية العسكرية” (military rentierism) لوصفه الدور الناشئ لبلدان مثل أوغندا وبوروندي و مساهمتهما بقوات في الصومال كوسيلة لكسب الموارد المالية. الأمر نفسه ينطبق على قوات الدعم السريع التي اصبحت جزءاً من حملة “عاصفة الحزم” في اليمن بقيادة التحالف العربي نظير اموال لافرادها و قياداتها اما علي الصعيد المحلي، تمت مكافأة قوات الدعم السريع على جهودها في مكافحة التمرد بمنحها السيطرة على مناجم ذهب جبل عامر والتي تزعم بايلولتها للحكومة العام الماضي.
فأجهزة الامن و القوات العسكرية الخاصة اصبحت و سيلة لرمي اللوم في حالة الانتهاكات الخطيرة كما هو الحال مع شركة بلاك ووتر و انتهاكاتها في سجن ابو غريب او قضايا غسيل الاموال او الجريمة المنظمة لأن في الاساس هذه القوات متعاقدة و ليس لها سلسلة (قيادة – و سيطرة) و اضحة. هذا ما جعل الرافضين لفكرة المؤسسات الامنية الخاصة يرون الدور السالب لها بأعتبارها مسؤؤلة عن تقويض سيطرة الدولة علي الاوضاع وبالتالي تقوض العملية الديمقراطية. و يُخشى المراقبون بأن وجود مثل هذه القوات في دولاً تعاني من هشاشة في المؤسسات و قصور في الحوكمة بان تقوم الأنظمة الاستبدادية على استخدام هذه القوات لقمع وتقويض الحكم الديمقراطي. ومن الأمثلة نذكر كيف طلب الرئيس السابق عمر البشير، في ابريل 2019م ، من قائد قوات الدعم السريع بفض الاعتصام لحمايته من الاحتجاجات التي تهدد حكمه.
هناك من يري بأن القوات الأمنية و العسكرية الخاصة مفيدة لمعالجة المواقف المستعصية حيث تكون المواقف فوضوية ولا تسمح بتدخل الجيوش التقليدية. هذا الرأي يبرر منهج التدخلات الدولية لمنع الإبادة الجماعية أو العنف الواسع النطاق.
من المثير للاهتمام أن قوات الدعم السريع قد تم اعدادها لتقوم بادوار لا يمكن للجيش القيام بها و بهذا اصبحوا جزءا من اهلنة (civilianization of conflict) الصراع بدارفور مما يفسر الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين بدارفور حيث أدى إلى نزوح ما يقارب المليوني شخص ، وقتل حوالي نصف مليون في غضون عام . فاهلنة الصراع المسلح باستحداث قوات خارج المنظومة العسكرية وجذب المدنيين الي الصراع كمقاتلين و جناة انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني. فمن المعيب لحكومة ما بعد الثورة ان تحتفظ بقوات ضالعة في انتهاكات جسيمة و موثقة دولياً مثل قوات الدعم السريع التي كانت جزءًا من عملية اهلنة الصراع بداية بالجنجويد ثم حرس الحدود و لاحقاً قوات الدعم السريع.
فإن وجود قوة ضخمة لها تاريخ من الفظائع و انتهاك حقوق الإنسان دون مساءلة او تسريح كامل يقوض التحول الديمقراطي في السودان و ذلك لعدة الأسباب.
أولاً، هذه القوات التي تم تجميعها كجزء من مكافحة التمرد ليس لديها تفويضاً حالياً لمواصلة مهامها كقوة قتالية دائمة خارج التسلسل الهرمي العسكري و لا سيما ان الحكومة ضالعة حالياً في التفاوض مع كل المجموعات المتمردة .
ثانيًا، كما يدعي البعض فأن قوات الدعم السريع تأسست بموجب قانون صادق عليه البرلمان المحلول ، تجدر الإشارة إلى أن النظام القانوني الذي تشكلت بموجبه هذه القوات باطلة خصوصاً بعد الإطاحة بالنظام الذي أنشاءها. علاوة على ذلك ، فإن البرلمان لم يكن ممثلاً لجميع السودانيين ولهذا السبب أقر مشروع قانون يسمح بتنفيذ الفظائع ضد بعض السودانيين. من المعروف أن مهمة قوات الدعم السريع هي محاربة التمرد في دارفور وأماكن أخرى مما جعلها ترتكب فظائع ضد مجتمعات تعتبر متعاطفة مع المتمردين. هل سودان ما بعد الثورة في حاجة إلى قوات بهذا التفويض؟
فتمادي البعض بتصوير هذه القوات كقوة وطنية ينكره الواقع خصوصاً اذا تسألنا كيف لقوة كهذه يكون في هرمها شقيقان و ما هي معايير تعيينهم كقائد و قائد مناوب – في كل الانظمة المعروفة لا يمكن توظيف فردين من نفس العائلة في نفس المنظومة. بلا شك أن قوات الدعم السريع جيش خاص ، له تسلسل هرمي مستقل تديره عائلة حميدتي وتدير أعماله بشكل مستقل عن الدولة. وهذا يجعل وجودها تحديًا للديمقراطية حيث تخضع كل القوات المسلحة للإرادة الديمقراطية للشعب من خلال للحكم المدني.
أخيراً و نظرًا للمخاوف الحالية بمفاوضات السلام السودانية بشأن دمج قوات الدعم السريع وآخرين في جيش واحد ، فإن القضية لا تتعلق بوجود جيش واحد بل تتعلق أكثر بإصلاح قطاع الأمن لجعله مهنياً مضطلعاً بدوره بعيداً عن السوق و السياسة. فمسألة بناء جيش واحد و طني غير مؤدلج ليست للمساومة و التفاوض بل مسألة إصلاح يضمن مستقبل السودان الديمقراطي.