قُمْ للمُعلم.. على حيلك..!!
لن تفوتني تحية المعلمين والمعلمات في عيد المعلم من كل عام..! فقد (انحفرت) في راسي صورة المعلم (وكذلك المعلمات فلي بينهن شقيقتان) ذلك الشخص الوقور الحادب المتفاني المُخلص الرصين المتقشّف الذي ينهمك في نقل المعرفة ومعالجة استقامة الحياة وإصلاح كل اعوجاج و(تجبير كل مكسور) ونشر كل فضيلة وقيمة بغير انتظار للثواب..! يغدو ويروح نقي السريرة محمود السيرة مهذب السلوك منتظم الهندام نظيف الملبس مهما كان حال ما يرتديه من الاهتراء والتقادم والوهن (بفعل الغسيل والمكوة).. فمحدودية الدخل وشظف العيش من السمات الملازمة للمعلمين في السودان وفي معظم أنحاء عوالمنا الإفريقية والعربية لأننا نركب السيارات ونبحث عن المخصصات لكل (زعيط ومعيط) ونهمل المعلمين وهم الذين نجدهم في المقدمة من حُداة الأجيال وناشري المعرفة ومصدر التقدم والرفعة ومهندسي الشخصية والهوية وبُناة أجيال الحاضر والمستقبل.. وهم أدلاء الشارع والقرية والفريق، ورُسل التربية والتوجيه بين الناس، وهم آباء اليتامى ورُعاة الأيامى وقبلة التائهين.. وكنتُ أسميهم وأعني المعلمين والمعلمات (آخر الرجال المُحترمين) على عنوان احد الأفلام المصرية القديمة..ليس تفضيلاً بالمعنى الحرفي لكن من الفضل الذي نوّهت به لهم الرسالات السماوية والحكمة الأرضية وجعلت مقامهم من مقام الرُسل والحُداة.. هكذا يسيرون بين الناس بين فضيلتي التواضع والعطاء..يتصفون (بالأدب والدأب) ويعملون على مدار الساعة في الليل والنهار و(في الطيف أو في الصحيان) يميّزهم الامتلاء الغريزي بمشاعر الأبوة والأمومة.. فهم من يقومون برعاية وتقويم عثرات التكوين في الطفولة والصبا والشباب فيخرج من معاناتهم وتعب أيامهم الأطباء والعلماء والمهندسون والخبراء والرواد والعباقرة والعمّال والمبتكرون..الخ ولا يفلت من بين أيديهم إلا (المساخيت) وكسالى الفطرة وسيئو الطباع الذين يستعصون على كل علاج ويتنكرون لكل غرس طيب (مثل جماعة الإنقاذ)…! فسبحان الله أن بعض الناس يبدون كالمصفحين من نور العلم..يغلقون قلوبهم وآذانهم من الفهم والتنوير فلا تصل إليهم المعرفة وكأن لهم دروع السلاحف وظهور التماسيح.. يمسكون (دفة الطيش) في كل امتحان للفضيلة والخير.. مثل نادرة أحد الطلاب الذي كان يحرص على أن يكون (تاني الطيش) على مدار السنوات واعتاد على هذه الدرجة كما اعتاد أبوه عليها..ولكنه جاء يوماً مكسوفاً وقال لأبيه (المرة دي جيت الطيش عديل) فاستعجب الأب وقال له: ولماذا تراجعت درجتك هذه المرة من تاني الطيش..؟ فقال الإبن: (الطيش نقلوهو مدرسة تانية)..!!
الحمد لله أن تقدماً (لا بأس به) حدث في مرتبات المعلمين وجاء إليهم من ترفيع مرتبات (عموم الأفندية) في الخدمة المدنية مع بركات ثورة ديسمبر المجيدة..ولكن للمعلمين شأناً آخر وينبغي أن ترتفع مرتباتهم ومخصصاتهم على قدر المهام الجسام التي أوكلها إليهم المجتمع… والحمد لله كثيراً أن إعداد المناهج قد وصل إلى الأيدي الأمينة بعد سنوات التزييف الكبرى في عهد الإنقاذ الأغبر الذي هوى بقدر العلم واجتهد في نشر الجهل والتجهيل في (إستراتيجية ثلاثينية) مُمنهجة وكانت الإنقاذ تعلم انه لا وجود لها إلا بإطفاء الأنوار وتعميم جهلها و(جلافتها) وانتزاع العلم والمعرفة من الصدور.. وكان طبيعياً أن يأتوا (بفلانهم) وزيراً للتعليم و(علّانهم) وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي وأن يختاروا (بهلول) وزيراً للتنمية البشرية و(جهلول) لإدارة الجامعات ومثله لتخطيط المناهج..والدول الكبرى مثل أمريكا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا واليابان تقرع بين حين وآخر أجراس الإنذار خشية على حال التعليم وتعد التقارير عن الإسراع بإصلاح المناهج لمواكبة الدنيا ومتغيراتها..! تحية للمعلمين في عيدهم..ووالله ثلاثاً إنهم يستحقون أن تكون رواتبهم الأعلى في الدولة حتى على رواتب رئيس الوزراء والوزراء و(جماعة السيادة)..!!