كتاب التاريخ للصف السادس: الله ينعل الماعون الضيق
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
تحاشيت التعليق على كتاب التاريخ المقرر على الصف السادس خلال الزوبعة المثارة حوله من الثورة المضادة. لم أعطل التعليق عليه شفقة به بل لأن التشغيب المضاد اقتصر على الكتاب وحده دون بقية المقرر. وهذا لؤم محض. فالكتاب عندي معيب ولكن الفي فئة المتعلمين الرثة اتعرفت. فماعونها ضيق. الله ينعل الماعون الضيق. فتهجم على المسألة بغير عدة شغل مهني. تقرأ النصوص كأنها تقرأ الكف والجواب من عنوانه. وتزبد عند الفم عند فصوله ومأربها غير مأرب التربية بل فش غبينة على ثورة أحالتهم إلى الاستيداع ولا نجاة لهم إلا بالنزول عند حقيقة إن الثورة التي عصفت بهم لن تخمد نارها.
جاء الكتاب بما لا يصح في تربية النشء وهو تجريعهم وجهة نظر لا علماً محققاً من جماع وجهات نظر. وغلبت فيه رواية دعاة الهوية الأفريقية للسودانيين التي صدعوا بها لعقود بصورة طغى فيها التسيس والحشد لا طلب الحقيقة. ومع جنوح الكتاب لرواية الأفرقة للسودانيين إلا إنه يضطرب في تعيينها اضطراباً كنت سميته “الهرج بالهوية” عندما تهارشت المنابر لعقود حول المسألة بغير كتاب منير. فجاء الكتاب عن الشخصية السودانية بعقيدة الأفرقة “بصمته” ثم “جاط”. فقال إن الشخصية السودانية أفريقية من حيث العرق والموطن الجغرافي وعربية إسلامية من حيث اللغة والاعتقاد. وما يفهم من هذا أن ليس بالسودان عرق عربي. ولم يطق الكتاب مع ذلك صبراً على هذا التقرير فسرعان ما قال، بعد تعيين الطرق التي دخل بها العرب السودان، إنه “عبر هذه الطرق انتشر العرب في كل انحاء السودان”. ووصف العرب في موضع آخر كعنصر جديد دخل البلاد. وقال في موضع ثالث إنه توجد بالشمال قبائل عربية كثيرة. وذكر في موضع رابع “كما هناك العديد من القبائل العربية في السودان”. وهذا من هلهل القول. فكيف بربك تقصر السودانيين على العرق الأفريقي ثم لا تكف بعدها عن إثبات وجود العرق العربي؟ لا مرة. لا اثنين. لا ثلاثة.
وتجد التخليط نفسه في تناول الكتاب لكيفية دخول الإسلام السودان: أبالسيف أم بالحسنة؟ فجاء الكتاب على ذكر عبد الله بن أبى السرح غازياً للسودان وهزمه النوبة الشجعان رماة الحدق. وسنتجاوز ما أخذه آخرون قبلي عن تاريخ تلك غزوة (بل وحقيقة حدوثها) ومن أمر بها وفي عهد أي خليفة لنرى كيف انتهى الكتاب إلى نقض غزله في دخول الإسلام بالسيف كما توحي عبارته التي سلفت. فنفى لاحقاً إتيان الإسلام بالغزو. فقال إن السودان لم يُفتح بواسطة جيوش إسلامية. وزاد بقوله إن الإسلام لم يدخل السودان عن طريق الحرب أو الغزو. وقال في موضع آخر إنه دخل بواسطة التجار والصوفية. وما جاء ذكر الفونج حتى وجدنا المسلمين يسلون سيف الغزو والنصر. فقال إنه مع تأثر الفونج بالتصوف إلا أنها في بدايتها قادت الحروب، وحطمت الممالك المسيحية، وأعطت وزناً وقوة للثقافة العربية الإسلامية. وجاء برسم مصاب بفقر دم الفن لخراب سوبا على يد الفونج ترامت فيها جثث ضحايا مسيحيّ سوبا، واحتل بعض مقدمة الصورة سوباوي متمحن في فعائل الفونج. ولا أعرف من أين للكتاب أن يجزم بسلمية الممالك المسيحية في السودان كما فعل. فقال إنها استمرت لأكثر من سبعة قرون لم يسجل لها لتاريخ حروباً مع سكان البلاد الوثنيين. دليلك!
لا غلاط أن تاريخ الإسلام في الكتاب مسطر ب”عين السخط” على الإنقاذ المحمولة على نهج إسلام علماء الفقه والسلطان المتشدد. فتجد الكتاب يُعلى من قدر الصوفية وينسب لها تحول الأفريقيين السلس للإسلام. ويكثر من إيراد هذا النسب كلما ذكر تاريخ مملكة إسلامية. ففي ملكة تقلى الإسلامية في جبال النوبة قام حكمهم على التصوف. ولا غلاط أن الكتاب أراد الطعن للإنقاذ وعدوانيتها الجهادية بقوله إن الصوفية لا يهاجمون الأهالي، ولا يسيئون إليهم. فدعوتهم بحسن المعاملة وإسلامهم متسامح في تربية وترقية سلوك الناس أكثر من الخطب والحماس والتسلط الحاكم. ولا أدرى ما نفع الطالب من مثل هذا التشقيق للإسلام إلى صوفية وعلماء، ومن سوقه للاعتقاد في صلاح الأوائل وفساد الأخيرين. أما قول الكتاب إن أفريقيا تحولت للإسلام تحت تأثير الصوفية وحدها فغير دقائق. فالثابت أن الملوك والتجار ودلالاء القوافل من تبعهم وجدوا في فقه الإسلام ما أغراهم للتحول إليه. فقد أعانهم بفقه العقود والبيوع والموازين وخلقية التجارة بعامة لتجويد نظم ممالكهم السياسية والتجارية.