كشف فساد الانقاذ
كتب د. النور حمد:
كنت أتصور أن ما يعقب ثورةً عظيمةً، مثل ثورة ديسمبر 2018، سوف يتضمن، أول ما يتضمن، نشاطًا، حثيثًا، في كشف فساد نظام الإنقاذ، وعملاً، دؤوبًا، في ملاحقة الفاسدين؛ قانونيًا، وأخلاقيا. كنت أتصور أن شغل الحكومة، الشاغل، وإعلامها، سيكون تمليك حقائق الفساد، المفزعة، للشعب، بصورةٍ يومية. فهناك من ملفات الفساد، ما يمكن أن يشغل وسائط الإعلام لسنين. لكن، مرَّت، أكثر من سبعة أشهر، منذ أن أدى السيد، رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، اليمين الدستورية. وأكثر من ستة أشهرٍ، منذ أن أدى وزراء وزارته، اليمين الدستورية. ولم نر، طيلة هذه المدة، شيئًا ذا بالٍ، في جهة كشف فساد الإنقاذ، أو محاكمة الفاسدين، ناهبي المال العام.
كشف الفساد بصورة جلية، فيه تعليمٌ للشعب، خاصةً البسطاء، الذين ربما لم يستبينوا، جيَّدًا، لم قامت الثورة أصلاً، أو ما مبلغ إضرار الفساد، بالبلاد، والعباد. كما أن كشف الفساد، يحمي جذوة الثورة من الخمود، بجعل ماضي الإنقاذ المظلم، حاضرًا في الأذهان. كما أنه يضعف الروح المعنوية، لقوى الثورة المضادة، ويكسر صلفها، الذي يجعلها حاضرةً، فيما تنفثه أقلام وأفواه أبواقها، الذين ما انفكوا يشيطنون الثورة، والثوار، مادين ألسنتهم، للثورة، ولفكرة التغيير.
انكمش الإنقاذيون، بادئ الأمر، أمام قوة الثورة، وتيارها الكاسح، الذي جاوز الآفاق. لكن، جاءت حاضنة الثورة، الممثلة في قوى الحرية والتغيير، وحكومة الثورة، بعد مخاضٍ عسير، شابه داء المحاصصات، وتسقُّطٍ للنجومية. فجاء الأداء دون قامة الثورة، بكثير. بسبب الأداء المتعثر، وعجز الحكومة عن وضع الأصابع، على مواضع فسادها، وإظهار ذلك، بجلاءٍ، للشعب، أحست قوى الثورة المضادة، أن حكومة الثورة، مجرد نمرٍ من ورق. لقد شاهد الانقاذيون، يومًا، بعد يوم، السلحفائية القاتلة، في الأداء. كما شاهدوا خمود روح الثورة، وسط من أُسندت لهم خدمة أهدافها. فغياب الخطاب الإعلامي، الحار، والعجز عن تغيير البنية المفاهيمية، والكوادر، التي تدير المؤسسات الإعلامية، خلق فراغًا، ملأته أبواق الانقاذيين. فأعملوا أقلامهم، في الصحف الموروثة من عهد البشير. وساندتهم، في ذلك، كوادرهم المبثوثة، منذ عقودٍ، في القنوات الفضائية. واصطف إلى جانبهم، ذبابهم الإلكتروني، الذي يصل ليله بنهاره في الأسافير. لقد أيقنوا، أن من يمثلون الثورة، في الحاضنة السياسية، وفي الحكومة، مجموعةٌ من الهواة، الذين تعوزهم الدربة القيادية، والحنكة السياسية، وأيضًا، الأسنان التي تعض.
إن أمضى سلاحٍ، في قصم ظهر قوى الثورة المضادة، هو كشف فساد الانقاذ، ووضع ملفاته القذرة، على الطاولة، أمام الشعب. لكن، هذا لم يحدث، لأن فريق الحكومة، وحاضنته السياسية، متباعد الخطوط، (بتعبير كرة القدم)، وفارغ اللب، من روح الثورة. وإذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فسيخسر الجميع، بما فيهم العسكريون، الذين يلعبون على الحبلين، ويظنون أنهم يديرون بذلك، لعبةً ذكية.