كلاب (بافلوف) !
كتب: منعم سليمان
.
من أهم التجارب الاجتماعية الراسّخة بذهني والتي لا أزهد في ترديدها وتكرارها؛ تجربة فريدة ومتميزة في علم النفس الاجتماعي قام بها العالم الروسي الشهير “بافلوف”، ولي ارتباط فطري بدراسات علم النفس بمختلف فروعه، حد إنه لو عاد بيّ الزمن إلى الوراء لما درست غيره، والنفس تريد والله يفعل ما يريد.
تجربة العالم بافلوف؛ شيّقة وموحيّة ولا تخلو من طرافه وتأمل، وقد طبّقها على كلابه، فصارت نظريته تُعرف بـ(كلاب بافلوف). حيثُ عمد إلى تجويع أحد كلابه؛ حتى بدا عليه الهزال فرط الجوع، حينها طلب من مساعده إحضار الطعام، ولكن في لحظة تقديم الطعام إلى الكلب قرع (بافلوف) على الجرس، وبدأ يكرر الأمر يومياً يجوِّع الكلب؛ ثم يقدِّم إليه الطعام، ويقوم بقرع الجرس، تكرر الأمر: جوع وطعام فجرس، وهكذا دواليك .
واصل “بافلوف” تجربته حتى أصبح احضار الطعام مرتبط في أذن الكلب برنة الجرس، وحين تأكد من الإستجابة الشرطيِّة للكلب قام بحذف الطعام من القائمة، فأصبح هناك “كلب و جرس” بلا طعام، وبدأ لعاب الكلب الجائع يسيل ويتدفق كلما دق الجرس، لاحظ “بافلوف” ارتباط سيلان لعاب الكلب مع رنين الجرس، وهنا أعلن نجاح نظرية الاستجابة الشرطيِّة.
وفي حال أخضعنا سدّنة النظام البائد والمُندسين داخل الأجهزة الشرطيِّة والأمنيِّة النظامية لنظرية “بافلوف”، فقد كان هناك: كلاب وطعام و جرس، وكان الفاسد المخلوع يقدم لها الطعام مقروناً بالتزامن مع الجرس، فخُلع الرجل واختفى الطعام بسقوط النظام، وبالتالي لم يعُد هناك طعام لتعلفه هذه الأفواه القذرة الجائعة، فأصبح على الساحة: “كلاب وجرس خفيض أو قل شبه جرس”. وعندما دقت أجراس الحرب شرقاً سال لعاب الكلاب لا إرادياً، إذ إرتبط الجرس في ذاكرتهم بـ(العليقة)، وبدأ القطيع بالنبيح والعواء القبيح، وهو عواء أشبه بعواء كلاب البدو، التي تعوي من الداخل دون أن تخرج رؤوسها لمواجهة الخطر دفاعاً عن صاحبها!
إن هذا النوع من الكلاب بعكس كلاب نظريّة الاستجابة الشرطيِّة؛ سُلالة رديئة ودنيئة؛ لا تسمع إلاّ صوت بطونها، وليس لديها نبل أو وفاء، فقد ساهمت مساهمة فعّالة ومؤثرة في توريط صاحبها السابق الذي غرق حتى أذنيه في الخزي والمخازي والجرائم حتى سقط سقوطاً باهراً شهده كل أحرار العالم، وها هي في رحلة بحثها عن صاحب ومالك جديد يُقدِّم الطعام، تحاول إشعال الحرب بخداع البسطاء بعواطف كذوبة ومُسرفة؛ بأنّ “الميري” هو الخيار الوطني وما سواه المسغبة، وهو تفسير يليق بمخلوقات تستنكف من الانتماء إليها “كلاب بافلوف”.