لجنة إزالة التمكين: هل ستجبر ضرر من صادرت الإنقاذ موجودهم؟

0 71
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
كتبت أمس وأول أمس عن مصادرة نميري لمال عثمان صالح ومحمد أحمد عباس وبدر الدين يوسف عامر. ووجدت أصدقائي على الصفحة من الإنقاذيين وغيرهم انتهز السانحة ليقول بإن حجز لجنة إزالة التمكين لأموال الإنقاذيين ومصادرتها سيكلف حالنا كما كلفتها مصادرات نميري من جهة اضطرارنا للتعويض عنها، ولتنفيرها الرأسماليين من الاستثمار كما فعل نظام مايو.
سنتجاوز مقارنة الأصدقاء العرجاء بين مصادرات حزبية لمال حلال بلال بعد انقلاب ومصادرات سياسة بعد ثورة ترد بها المال العام لأهله. ناهيك من أن الإنقاذ عوضت، وهي في الحكم، السادة الختمية والمهدية عن ما صادرته منهم غصباً. أو ردت بعضه ومنه بيت أبو جلابية في الخرطوم بحري.
وأستأذن في استطرادة صغيرة قبل متابعة الحديث طالما جاء ذكر مصادرة بيت أب حلابية. قيل أن خصماً للختمية استنكر أمام شايقي ختمي، يحمد ربو، بقاء السيد محمد عثمان الميرغني في مصر خلال قيادته للمعارضة فيها. فقال له الشايقي: نان سيدي يجي يأجر يعني. والسادة لا يؤجرون بيوت سكناهم حتى يقال عنه “أجري”. وكانت هذه صفتي في بري التي سكنتها في آخر السبعينات.
أعود لسقم أصدقائي من مصادرات إزالة التمكين، وتلويحهم بأنها طاردة للمستثمرين، وأنها ستكبدنا تعويضاً في عاقبة الأمر بعد أن تنامى لي خبر نية بعض من صادرت الإنقاذ أموالهم رفع شكاو بظلامتهم للجنة إزالة التمكين لرد ما اغتصبته منهم، أو تعويضهم عنه. فما يخوفنا أصدقائي أن يحدث إثر “تعدي” لجنة الإزالة على المال سيحدث في يومنا متى شمل شغل لجنة الإزالة تعويض من صادرتهم الإنقاذ، أو من طردتهم من السوق بليل.
لي صديقان من ضحايا عدوان الإنقاذ على المال، أو شره أهلها. وأضطرا لمغادرة السوق مأسوفاً عليهما. وكنت كتبت هنا مرة عن أحدهما وهو عثمان محمد خير “أوماك”. والشارع المعروف في الخرطوم تسمى به. وكان رجلاً في بسطة من الرزق الحلال وهو في شرخ الشباب نحل جدوده ناس الدبة. وكان وكيل توزيع دجاج الشركة العربية، وسجائر البرنجي في جنوب الخرطوم، ومالك صحيفة “الساحة” الاقتصادية. وجردته الإنقاذ منها جميعاً وحولتها لجاره أبو القاسم حسن صديق من أقرباء البشير وكان تشاشاً يشترى منه أوماك ما يعرضه عليه من بضائع. وكنت واقفاً على ذلك في شتاء ١٩٨٩. وطرقت معه أبواب ذكرتها لرد مظلمته. ولما جرؤ أوماك على ملاحقة حقه أغلق فيصل حسن إبراهيم، المسؤول عن الأمن الغذائي الباب عليه، وقالها صريحة له إنهم سيستلمون منه التوزيع و”اتلمه أمرق”. ثم داهموا مقر الصحيفة واعتقلوا صحفييها الجانحين يساراً. ولم تنفع رجاءاته في فك أسرهم ليزاولوا عملهم معه. وما زال يذكر بحزن قلة أدب عبد الرحمن إبراهيم المسؤول الإسلامي عن الصحافة في ذلك الوقت. ولما انسدت الإبواب في وجه أوماك شد الرحال إلى أمريكا.
أما الصديق الثاني فهو بدر الدين يوسف عامر. وهو حمال أسية التجريد من المال مرتين في عهد نميري كما جاء في حديثي بالأمس، وفي عهد الإنقاذ. تحدث إليّ عن إخراج الإنقاذ له من سوق التأمين. فقال إنه، لما قامت الإنقاذ، كان شريكاً رئيساً في شركة التأمين الأفريقية مع مامون بحيري؟ وصاحب مطبعة التمدن ولهم 88% منها. وصدف إنني أمنت سيارتي بها في ١٩٨٨ بإغراء معرفتي بمديرها رفيقنا الطاهر عبد الباسط. وكان بدر الدين عضو مجلس الإدارة والعضو المنتدب. ثم قامت شركة شيكان للتأمين بالإنقاذ. واستأثرت بعصب سوق التأمين: السكة حديد، البحرية، مدابغ الجلود وغيرها. وتركت لمثل الأفريقية تأمين السوق العام الذي لا يساوي شيئاً. ورافق ذلك بالنتيجة تحول شركات التأمين الأخرى إلى وكيلة لشيكان والرزق تلاقيط. فأغلقت شركة الخرطوم للتأمين أبوابها وصفت الأفريقية أعمالها في 1992.
1. وسبقت تصفية الأفريقية للتأمين “أسلمة” للتأمين مفادها أنه ليس عملاً للاتجار. فعقد التأمين “ذو القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر مفسد للعقد ولذا فهو حرام شرعاً”. والقول بأنه غرر يجعله مثل الربا والقمار بجامع المخاطرة في المعاملة. وعليه صح في التأمين “عقد التأمين التعاوني” القائم على أساس التبرع والتعاون. وعليه صارت أرباح شركة التأمين، حسب قول بدر الدين، حرام. وعليه يوزع العائد من الأرباح على حملة شهادات التأمين كل بحسب ما دفع. فألغت الفتوى التأمين كعمل تجاري. وانتهى توزيع الأرباح على حملة الشهادات إلى مبالغ غاية في الضآلة حتى امتنع كثير منهم من طلبها. وصار هذا المال المتروك هو مصدر دخل كبير لشركة التأمين. وقد حولته شركة شيكان إلى جيوب إدارتها بمخصصات، ومرتبات مبالغ فيها، وبدل اجتماعات. وقد ناقشوا في الأفريقية هذا المنهج فقال بدر الدين إنه لن يقبل بمثل هذا الابتذال لنفسه او لشركته. وصفاها. وغادر ألى كندا. وليست هذه مرة بدر الدين الأولى يرده الخلق الوعر من التبذل كما قد نحكي.
يقال إنك لا توصي اليتيم بالبكاء. وهذا ما يوصينا به أصدقائي الذين ينذرونا بأن عاقبة عمل لجنة الإزالة تكبدنا رد ما صادرناه، وتعويض ما لا يرد، وإرهاب المستثمرين. كدي التجبر إزالة التمكين ضرركم في مثل أوماك وبدر الدين أولاً. ونرجا الله في الكريبة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.