لجنة تفكيك التمكين ووباء الفساد العالمي الغادر
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
جاء أمس على لسان السيد محمد الفكي، عضو مجلس السيادة والرئيس المناوب للجنة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو واسترداد الأموال، أن جهة دولية معينة بالمال السحت في العالم تولي لجنته عنايتها كتجربة رائدة، وربما غير مسبوقة، في مساءلة الإثراء الحرام ولجم من أثروا من بابه. وهي عناية لم تجدها اللجنة حتى بين ثوري البرجوازية الصغيرة ناهيك من صغار برجوازيّ الثورة المضادة. فصفوة هذه الطبقة عالة على واقعنا كما قال صلاح فرج الله. فصفوة الثوريين لا تلبث قليلاً حتى تضجر حتى من ثورتها في وجه الهجمة المضادة لتعود تنعى “الشعب الفضل” وتذيع الترهات مثل شيوع الحسد فينا الذي جاءت به القبائل العربية التسع التي هاجرت من الجزيرة العربية. (ويقول بهذه الهجرة العربية للحاسدين حتى من لا يعتقد أصلاً في هجرة العرب للسودان الذي أسلم أهله النوبة الأشاوس وتعربوا بالروح القدس).
ليس بالضرورة أن تكون عبارة ممثل الجهة العالمية للسيد الفكي إطراء لنا. فتوقفه عند لجنتنا مجرد تعبير عن أرق عالمي عن توحش الفساد وشرور أمواله في العالم. فمنذ ٢٠٠٤ قالت الأمم المتحدة إن “الفساد وباء غادر” في ديباجة اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد. ونقلتُ من قبل قول الأكاديمية سمانثا بور، مستشارة الرئيس بايدن التي زارتنا قبل شهر أو نحوه، إن حرب الفساد من أركان استرداد أمريكا لقيادتها للعالم في عهد الرئيس بايدن لأن أمن المصالح الأمريكية رهين بحربه بلا هوادة. وفي الواقع صار الفساد عولمياً في مقام تحدي تصحر البيئة. فيشكل بحاله اقتصاداً عالمياً موازياً. فمثلاً تدفع الشركات والأفراد عالمياً رشاوي جملتها ترليون دولار لمسح شنب موظفين حكوميين لقضاء وطرها. وجرى تقدير حجم هذا الاقتصاد الباطل بأربعة ترليون دولار في ٢٠١٩ ويشكل خمسة في المئة من الناتج العالمي الإجمالي.
وأوسع برابخ الفساد العالمي هو تدفق المال السحت من الحكام اللصوص في العالم الثالث إلى بنوك أوربا وأمريكا.
كان ظني أن قانون التحول الديمقراطي والمساءلة والشفافية المالية الأمريكي لعام ٢٠٢٠ مِنَة أمريكية استغربتها من بلد “إمبريالي”. وعددتها “حالة إعجاب” بالسودان الكدناكي حتى تبين لي غير ذلك. واستغربت له. فما عرفنا من أمريكا حرصها على الديمقراطية بمثل العزيمة على نجاحها عندنا بقانون ناجز من هيئتها التشريعية. لم أنتظره كجيل ستيني منها.
فالقانون صريح العبارة في رعاية التحول الديمقراطي في بلدنا. ويعد بعضنا ذلك وصاية. فيطلب القانون من وزارة الخارجية أن تأتي باستراتيجية لدعم التحول لحكم مدني في السوان، وتخويل إجراءات بعينها للمساعدة في حدوث هذا التحول السياسي. وشملت هذه الإجراءات حل المليشيات، وعقد زمام السيطرة للقوات المسلحة بيد المدنيين. وانتظر القانون من رئيس الجمهورية أن يأتي بما يعين في السودان على استباب الحوكمة الديمقراطية، وحكم القانون، وحقوق الإنسان، وبرنامج لاطراد النمو الاقتصادي، ودعم إنتاجية القطاع الخاص، والإشراف على قوى الأمن والمخابرات، والمساءلة عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والجنوسايد، وفرض الحظر على من يقف رئيس الجمهورية على انتهاكهم للحقوق الأساسية، والموارد الطبيعية، أو يزعزع التحول الديمقراطي في السودان.
ووجه القانون وزارة الخزانة والخارجية مع المنظمات المالية العالمية لإعادة تبويب، وجدولة، أو إلغاء الديون، وأن تجنب وزارة الخزانة مالاً لملاقاة جائحة الكوفيد في السودان.
ثم وضح لي أن أمريكا بذلك القانون إنما كانت تبكي على نفسها لا نحن. فهذا القانون الذي شملنا بهذه الرعاية، أو الوصاية، إنما هو تطبيق لالتزام أمريكي وفق قانون اسمه “قانون مكافحة دولة اللصوص الروسية وغيرها في أعالي البحار” (CROOK). وطابقت أول حروف القانون مع كلمة “المحتال” الإنجليزية. وكانت أمريكا ضاقت، كما ضاقت بريطانيا، بأموال الأوليغاركية الروس الذين يغسلون أموالهم في مصارفها. وبالطبع يغسل آخرون من أوليغاركية العالم الثالث أموالهم المنهوبة من شعوبهم بنفس الطريقة. ويلزم هذا القانون وزارة الخارجية بخلق صندوق جديد تحت رعايتها يوفر الموارد لتمويل الحكومات الجديدة التي تسعى لاستئصال الفساد. وشدد على محاربة الفساد في هذه الدول التي قال إنها التي تمر بفرصة تاريخية للتحول للديمقراطية، ومحاربة الفساد، وقيام حكم القانون.
وعليه كنت قليل الصبر بمن يصور لجنة إزالة التمكين كواقعة محلية. فأنصارها يرون الفساد الذي تزيله من سقط الإسلاميين الذين لا يعرف أحد إلى يوم الناس هذا “من أين جاؤوا”. ويراه خصومها كتشف سياسي غادر. ولكنها في الحق بؤرة مقاتلة تنتمي إلى نظام عالمي يحارب أكل أموال الناس بالباطل. فثورتنا ضد الفساد في ٢٠١٨، التي قد يعتقد البعض أنها “معلمة الشعوب”، هي في الواقع واحدة من ١٨ احتجاجاً كان باعثها الإثراء غير المشروع لحكام في بلدهم على وجه التحديد من ٣٧ احتجاجاً سياسياً في عام ٢٠١٩. وزادت وتيرة النهوض ضد الفساد ١١،٥ مرة في كل عام منذ ٢٠١٠. فعلى ضوء هذه البينات فكل تصوير لإزالة التمكين ك”عمل سياسي” لن يجانب الصواب. فمصاب العالم من الفساد فاحش. وخرج الناس لتقويمه بسيفهم.