لغز حميدتي والدعم السريع

0 93
كتب: جعفر عباس
.
منذ فجر ثورة ديسمبر والفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) حريص على تقديم نفسه كالحادب الأوحد على مصالح البلاد والعباد، ورغم ذكائه الفطري الذي جعله يقرأ مشهد الثورة جيدا ويرفض المشاركة في قمعها، الا ان ذكاءه خانه بعد ابريل 2019 فسعى لحشد فلول نظام البشير ومشايخ الطرق الصوفية وبعض طراطير الإدارة الأهلية ليباركوا له وللعسكر اختطاف الحكم، ثم عاد الى رشده وقبل بتقاسم السلطة مع القوى المدنية، ولكنه استأنف مؤخرا تسويق نفسه كزعيم لمرحلة ما بعد – وربما ما قبل- الفترة الانتقالية.
لا يفوِّت حميدتي فرصة دون طعن الحكومة في الظهر ووصمها بالفشل، وكأنه مراسل سي ان ان او بي بي سي وليس الرجل الثاني في هرم الحكم، والحكومة بالفعل فاشلة في نواح كثيرة، ولكن الثوار الحقيقيون يريدون تقويم اعوجاجها وتصحيح مسارها وتخليصها من الوزراء العاجزين على ان أداء مهامهم، والمحزن المبكي هو ان حميدتي يجلس أيضا على راس هرمي الفشل الظاهر الماحق وهما الاقتصاد والامن.
حميدتي هو رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية، وهو الذي وعد الناس بضبط سوق الذهب ومنع التهريب وكبح جماح الدولار، وبحكم انه عسكري والرجل الثاني في السلطة فهو مسؤول عن الأمن، وأكبر نقاط ضعف حكومتنا الحالية هي الجبهة الأمنية، وكلما اشتعلت الفتنة هنا وهناك لا نجد اثرا للعسكر الا بعد وقوع الفأس على الراس بعدة أيام، ثم هل هناك فشل أكثر من ان تكون للدعم السريع امبراطورية مالية لا أحد غير حميدتي والمقربين منه يعرف ماذا تفعل وأين تودع أموالها، وأمر العضلات المالية لهذه الإمبراطورية مكشوف، فلا يكاد يمر أسبوع دون ان نرى حميدتي يوزع الأموال بطريقة الخلفاء العباسيين: يا حاجب اعطه كذا مليون وكذا تاتشر، وواضح ان حميدتي يريد شراء السمعة الحسنة للدعم السريع بالمال، وواضح انه يريد للشعب ان يعرف انه تصدق على الحكومة بكذا مليون، وقوافل الدعم السريع مصحوبة بالكاميرات تجوب البلاد حاملة الغذاء والكساء، وعندما نظم حزب الامة ما اسماه قدح الأمير لإغاثة منكوبي الفيضان تبرع حميدتي ب21 مليار جنيه ولما ارتفعت الحواجب بالدهشة قال: سوري انا متبرع فقط باثنين مليار، وقبل يومين تبرع بمليارين للفريق القومي لكرة القدم ليسافر الى تونس ثم ارسل حمولة طائرتين من مواد الإغاثة الى جنوب السودان وعليهما اسمه، ونقول له شكر الله سعيك ولكن من اين لك هذا؟ من اين لك الخزائن التي تغرف منها وتوزع العطايا وتنفق على الاعلام وكتائب المستشارين وجماعة “كلنا حميدتي” الذين قاموا بتكريم أوائل امتحانات شهادة الأساس أمام الكاميرات (ولماذا لا يوجد تنظيم كلنا البرهان او التعايشي او حمدوك الخ؟).
ووجود قوات الدعم السريع في حد ذاته دليل على فشل الحكم، فهذا الجيش “الموازي” وبموارده المالية الضخمة سيبقى لغزا مهما حاول تلميع وتصوير نفسه كقوة خارقة تضبط الحشيش والسلع المهربة وتقوم بمهام الجيش والمخابرات والامن والشرطة والجمارك، فهذا دليل لخبطة كيمان السلطة والتغول على صلاحيات الأجهزة الأخرى؛ وبلغ من حرص الدعم السريع على ممارسة ذلك التغول ان بعض ضباطه شوهدوا يتفقدون قاعات امتحانات الشهادة الثانوية، فحيثما هناك كاميرا كانوا هناك، بل من الواضح ان هناك حملة إعلامية منظمة لإظهار الدعم السريع كالقوة الوحيدة التي قلبها على البلد.
وليس في الأفق مفاوضات سلام مع الدعم السريع كي تنخرط كليا في المنظومة العسكرية وتصبح جزءا شفافا من جهاز الدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.