لو قرأنا اتفاق جوبا لكان بهتان كباشي لحمدوك زوبعة في فنجان

0 60
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
ظل تعريفي للصحافة أنها ل”عدل رأس” الأمة. ولا يعني هذا التكتم على الخلاف بل تثقيف الخلاف وإلا صار هرجاً يضرج الأمة بالجراح. وتصريحات الفريق أول كباشي عضو مجلس السيادة التي نالت من السيد حمدوك رئيس الوزراء محض ضوضاء. ورددت هرجها أمس إلى أنه لا أحد قرأ اتفاقية جوبا للسلام. لا الحلو لا كباشى لا الصحفيين الذين تمرغوا في ترابها.
اعترض كباشي على مسألتين في اتفاقه مع الحلو وهما تواثقهما على فصل الدين عن الدولة (يقول أحياناً علمانية مع أنها لم ترد نصاً)> وأن يتمتع سكان جبال النوبة والنيل الأزرق بالحماية الذاتية. وهو اعتراض لا مكان له من الإعراب. فلم يزد حمدوك في اتفاقه عما جاء في وثيقة اتفاق جوبا. فقد أراد توظيف دالته على الحلو من يوم زيارة كاودا ليعيده لمائدة المفاوضات للحاق بالاتفاقية. فغياب الحركة الشعبية بثقلها المعروف عنها وتوقيعها القاصر على حركات الليق ومسارات ما أنزل الله بها من سلطان ترك الناس في شك من جدواها.
ولا يدري المرء لماذا تنمر كباشي على حمدوك الذي لم يعرض على الشعبية غير ما جاء في اتفاقية جوبا. وسأضطر لإعادة بعض ما اقتطفته أمس من الاتفاقية لبيان أن حمدوك لم يعط الشعبية عطاء من لا يملك لمن لا يستحق. بل راجعها لتقبل بما أجازه المجلس الأعلى للسلام، مرجع كباشي، بتوقيعه على اتفاقية جوبا.
فلو قرأ كباشي الاتفاقية لما تنمر على حمدوك لاتفاقه مع حمدوك لعقد مناقشات لاختصاصيين حول مسألة فصل الدين الدين عن الدولة. فلا أعرف صيغة لفك الارتباط بين الاثنين شغلت نصوص الاتفاقية مثلها. فجاء عن مبادئ تقاسم السلطة في اتفاق دارفور وجوب “الفصل التام بين المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة”. فكيف ساغ لكباشي تقريع حمدوك بالتغريد خارج سرب الدولة التي وقعت قبل أسابيع علي هذه الصيغة الصريحة لفصل الدين عن الدولة.
ووصف كباشي تمتع المنطقتين بنوع من الوضع الخاص تمرداً من حمدوك على الدولة. وما صاح. فجاء في الاتفاقية وجوب تضمين الوضع الخاص للمنطقتين بما في ذلك حق التشريع كحق أصيل لا يتعارض مع الدستور القومي.
غير خاف أن فصل الدين عن الدولة من تلك الأمور التي يقال أن وقتها قد أزف. ولا يعرف التاريخ حصولاً لأمر مثل ذلك الذى أرهص وصار إلى التحقق. فحتى دولة الإنقاذ التي أعلنت الجهاد يوماً على المنطقتين أعيتها الحيلة مع دعواها في أوبة اللين للدولة فتنازلت عن أكثر دعواها عن حاكمية الدين مع التجمل بعدم ذكر عبارة فصل الدين عن الدولة نصاً. وطرينا الشر لبعدو. فجاء في نص بروتكولات مشاكوس في ٢٠٠٢ بين الإنقاذ والحركة الشعبية ما يلي عن الدين والدولة بعد اعتراف بالتعدد الديني والإثني:
1-6 الاديان والاعراف والمعتقدات مصدر للقوة الروحية والالهام للشعب السوداني.
2-6 تضمن حرية المعتقد والعبادة والضمير لإتباع كل الاديان والمعتقدات والاعراف ولا يجوز التمييز ضد اي شخص على هذه الأسس.
3-6: تولي جميع المناصب، بما فيها رئاسة الدولة والخدمة العامة والتمتع بجميع الحقوق والواجبات، يتم على اساس المواطنة وليس على اساس الدين أو المعتقدات او الاعراف.
نقول “بهت” فلان فلاناً حين يطلق لسانه فيه بغير الحق. وهو من البهتان. وهذا أذى في حد ذاته. ولكن مماجعله ضوضاء أزكمت أنوف الوطن العصيب فهو أقلام الصحفيين التي تناولته بالتحقيق والتعليق. فلم أقع على طول لقاء طويل للسيد مزمل أبو القاسم مع كباشي نشره في حلقتين أية مراجعة له على بينة اتفاقية جوبا. فكيف أذن أبو القاسم لنفسه أن ينعم أسئلته كما فعل ليلقي كباشي عديله في القول المجاني بحق رئيس الوزراء كما بينا؟ ولا تفسير عندي لهذا إلا أن أبو القاسم، وهو صحفي مجتهد، لم يقرأ نص اتفاقية جوبا. فلو قرأها لنشأت له أسئلة كانت ألجمت كباشي من القول المباح.
ولم أجد السيد محمد وداعة اقتحم المسألة من فوق علم بسياقها في مؤتمر جوبا. فانتهي إلى تنويعات من زفرات نفث فيها سقمه من “بشاتن” حال قحت في مثل: “إذا كان عطاء حمدوك عطاء من لا يملك لمن لا يستحق فمن المالك الحقيقي؟ ومن المملوك”. أما صحافة السيد عبد الرحمن الزومة الذي اعتقد أن كباشي هو ضمير الجيش السوداني، جيش الإسلام والرويبضة الطيب مصطفى الذي سمى كباشي “الصنديد” فهي تابلويد فاحش.
لو اتفق لقلم الرأي والتحرير في صحفنا لجم أقوال الكباشي المرسلة من فوق شغل مهني بليغ لكانت زوبعة في فنجان. ولعدلت رأس البلد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.