ليت المراية ما كلمتني

0 75
كتب: جعفر عباس
لست مقتنعا بأن السنة يجب ان تتألف من 12 شهرا وان كل شهر ينبغي ان يتألف من 30 أو 31 يوما ما عدا فبراير “الملطشة”، بل لا أعرف من الذي قرر ان يكون اليوم 24 ساعة وأن تتألف الساعة من 60 دقيقة، كل هذه الأشياء مفروضة علينا تماما مثل كروية الأرض، رغم أننا جميعا وفي قرارات أنفسنا نعرف ان كروية الأرض مجرد “إشاعة”. المهم: قبل يومين نصحتني زوجتي بأن أمسح يدي ووجهي ب”كريم” أو دهان، لأن هناك قشرة بيضاوية تعلو جلدي، فرفضت نصيحتها لأنني من جيل كان يسيء الظن بجماعة النيفيا، ولما رأيت الشر والشرر يتطاير من عينيها، بحثت بين أشيائها عن نيفيا او بريل كريم ولم أجد لهما أثرا، فقامت مستاءة ومدت لي أنبوبا مصابا بإنفلونزا، بدليل خروج مادة لزجة ومقرفة من فوهته، ولكن رائحته كانت طيبة، ووقفت أمام المرآة لأتمتع بشكلي بعد ان يلمع بتأثير الكريم المقرف المعطر، وأنا أغني “كلميني يا مراية” ثم صدرت عني صرخة، فقد وجدت أمامي شخصا عجيب الشكل والملامح: مين؟ شعبولا عمل رجيم؟ وأمعنت النظر وأدركت أن الشخص الذي في المرآة يحمل شبها لجعفر عباس. قلت في سري: الدوام لله يا ابو الجعافر.. يا ما دوخت سعاد حسني وهند رستم، وصرت الآن في حال تجعل حتى بت قضيم تنفر منك، حسرة على شبابك يا ابو الجعافر، ما زلت ترى في المنام نفسك طالبا جامعيا، ثم تقول مرآة بايظة إنه راحت عليك! وحاولت أن أواسي نفسي متذكرا ان هناك بعض “أولاد دفعتي” الذين صاروا يمشون بالعكاكيز، وبعض زميلات الدراسة اللواتي صرن جدّات قبل سنوات، ثم تذكرت حماقة تدريس البنات في المرحلة الثانوية، وبين الحين والآخر تستوقفني بقايا امرأة بصحبتها شابة يانعة وتقول لي: أنت أستاذ جعفر؟ ما عرفتني؟ أنا زبيدة، درستني في زفت الثانوية بنات.. ثم تطلب مني أن أُسلم على بنتها زازا التي تدرس في أوكرانيا! أود لو أصيح في وجهها: لا شفتك ولا أعرفك، وعيب عليكي تعاكسي راجل ما تعرفيه! ولكن مصيبتي هي ان ذاكرتي فوتوغرافية، وأعرف أنني فعلا درستها في المدرسة الزفتية بنات، عندما كانت في عمر بنتها زازا الأوكرانية، ويجعلني كل ذلك محبطا، ومتعاطفا مع أقراني الذين يصبغون شعرهم بعد ان تصل بهم الحياة الى نقطة ضربات الجزاء الترجيحية!
سأعترف لجيل الشباب بسر خطير: لا تفترضوا ان كل كبار السن حكماء؛ شخصيا لا أحس بأنني استحق لقب “حكيم”، لأنني ما زلت أرتكب أخطاء وحماقات طفولية. وعندما أقود سيارة فإنني أتفوه بعبارات غير لائقة كلما مر بي سائق طائش. ثم أخالط أناسا في مثل سني وأعجب من ان بعضهم ما زال ساذجا وعبيطا، طوله طول النخلة وعقله عقل السخلة. ومعظمهم يسبب الكدر بالشكوى من كل شيء، ويتحدث عن الأمراض التي يعاني منها وكأنها إنجاز، وبعضهم صفعته المرآة كما فعلت بي، وبدلا من ان يقول لن يصلح العطار ما يحدثه الدهر من دمار يعاند ويكابر، ويستخدم الموكيت لإخفاء الصلعة والمساحيق لإخفاء التجاعيد، وما هو أسوأ من كل هذا هو التصابي بالزواج بشابة جديدة من “الوكالة”؛ قليلون هم العقلاء الذين يفوضون أمرهم لله ويقفون مجددا أمام المرآة ويقولون: “سنة يا أنا”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.