ليسوا سواء

0 70

بقلم : دكتور التجاني عبد القادر حامد
حينما سقط نظام الإنقاذ في الحادي عشر من ابريل 2019، كان لذلك السقوط أثر بالغ في تعزيز حالة الاستقطاب الحاد بين المعسكرين اليساري والاسلامي في السودان. إذ صارت قوى اليسار أكثر “ارتياحا” من الناحية النفسية، وأكثر “انبساطا” على الساحة السياسية. يعود ذلك بالطبع لوقوفها طويلا في الصفوف المعارضة للإنقاذ، كما يعود لما قامت به من تكتيك نشيط في قيادة التحالف المهني الذي نظم التظاهرات والاعتصامات التي أدت للإطاحة بنظام الانقاذ. فبدى لبعض المتعجلين منهم، والحالة هذه، كأن “الثورة” ضد الإنقاذ يجب أن تستهدف أيضا كل توجه إسلامي، وتقف ضد القوى التي تحاول أن تعبر عنه في المجتمع السوداني. أما من الناحية الأخرى، فقد بدى لبعض الفئات السياسية الناشطة من الاسلامين (ممن شارك بإيجابية في الثورة، ولم يتورط في جريمة، أو يتلبس بشيء من فساد النظام السابق)، بدى لهؤلاء أن الطرف اليساري يخطط لوضعهم قصدا في خانة التناقض المصيري مع حركة الثورة، بعد أن توجه إليهم سهام الاتهام والتشهير الجماعي (علما بأن أحزابا وجماعات سياسية كثيرة من غير الاسلاميين قد شاركت في نظام الإنقاذ، ونالت من أعطياته، وظلت معه حتى لحظة سقوطه). ولذلك فقد صار من الطبيعي أن تنظر هذه الفئات من الإسلاميين الى المشهد كله من منظور الصراع المتطاول بينهم وبين اليساريين، خاصة حينما يستمعون لبعض التصريحات التي تعتبر عندهم مناوئة لقيم الدين، أو لأقوال بعض الناشطين التي تشتم منها رائحة “الاقصاء الجماعي”، أو لبعض القرارات التي يقصد بها التشفي والانتقام خارج سياج القانون. في مثل هذه الحالة الرمادية، التي يعلو فيها منطق الشحن الايديولوجي، وتضيع فيها “المعايير” التي تفرق بين (الانتهاكات) القانونية و(المواقف) الفكرية والسياسية، علينا أن نحذر كل الحذر، حتى لا يؤخذ فرد بجريرة جماعة، أو تجرم جماعة بفعل فئة من المجرمين أو الفاسدين. على العقلاء في قوى اليسار واليمين أن يبتعدوا عن المعارك الجانبية، وألا يهتبلوا الظرف الراهن لتصفية الخصومات التاريخية. كما علينا جميعا، ونحن نحسب حسابات المستقبل، ونعد العدة لإعادة بناء الوطن، ألا نخلط بين “نظام الإنقاذ” والقوى الاجتماعية والسياسية “الأخرى” التي تحمل فكرا إسلاميا، وتسعى للتعبير عنه بالحسنى في الحياة العامة. إنهم ليسوا سواء. ثم إن الوطن ليس حكرا لأحد، فعلينا إذن أن نكون على حذر من تخوين الذين يخالفوننا في الرأي، أو استفزازهم، أو استدراجهم لمواجهات تخمد فيها روح الثورة، وتبدد فيها طاقات وطن لم يعد يحتمل مزيدا من الجراح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.