ما الذي يجري وراء الكواليس؟!

0 106

(1)

يستسهل كثير من المسؤولين، سواء على المستوى الرسمي أو في القوى السياسية، الإدلاء بتصريحات أو إصدار بيانات لمخاطبة الرأي العام في شتى الشؤون التي تهم المجتمع، ويفترض هؤلاء عادة أن مجرد كون المرء يتسنم منصباً عاماً أن ذلك يعطيه الحق في الحديث كما يشاء في الوقت الذي يريد، ومفترضاً في نفسه الإبانة والفصاحة اللازمة بالضرورة للقيام بهذه المهمة، دون اعتبار إن كانت تتوافر لديه المؤهلات الموضوعية لذلك أم لا، ودون وعي بأن صناعة الخطاب العام ليس مجرد (كلام ساكت)، بل علم له أصول قواعد، وحرفة لها أسس مهنية، وتستند إلى معرفة، وإمساك بخيوط مضمون الخطاب، ومتى، ولمن، وأين، وكيف يُقال. حتى لا تقود إلى نتائج عكسية.

(2)

لا أدري إن كان هناك بلد آخر مصاب بـ(متلازمة التصريحات) بسبب أو بدون مسوغ، مثل السودان الذي أصبح أي مسؤول فيه متحدثاً في كل الأوقات حتى يثبت العكس، وليس مهماً بعد ذلك الآثار المترتبة على الدولة والمجتمع جراء التصريحات التي تُلقى على عواهنها.

فقد شهدت الأيام الماضية سلسلة من التصريحات والبيانات الرسمية تسابق بالإدلاء بها قادة في قوى الحرية والتغيير، ومن قادة المكون العسكري، ولو كان موضوعها أمراً عابرا أو بسيطاً لهان، ولكنها تدور حول مسائل غاية في الخطورة تمس عصب الاستقرار والأمن في البلاد، تمددت من إطلاق اتهامات بحدوث انقلاب عسكري وشيك، إلى وجود تنافس وصراعات في أوساط القوى النظامية، إلى مؤامرات تجري في الخفاء لإجهاض الفترة الانتقالية، وهلم جرا.

(3)

لست في وارد مناقشة التقارير الصحفية التي خاضت في الترويج لحدوث انقلاب بروايات مرسلة أسندتها إلى مصادر مجهولة، وإن كان واضحاً أن وراءها أطراف من قوى الحرية والتغيير التي أثار قلقها الظهور الإعلامي وخروج بعض المظاهرات لمنتسبين للنظام السابق، أعاد إلى ذهني عمود للزميل محمد لطيف في هذه الصحيفة قبل شهرين حمل عنوان (الترويج للانقلاب تحريض عليه)، عاد فيه إلى خواتيم الثمانينات قبيل انقلاب الإنقاذ مشيراً إلى ترويج إعلام الجبهة الإسلامية لـ(انقلاب) مما هيأ لحدوثه حتى وقع، ولذلك يبقى السؤال لمصلحة من يتم الآن الترويج لحكاية الانقلاب الوشيك هذه.

(4)

ولكن ما يثير الانزعاج حقاً تلك التصريحات والبيانات المتواترة التي صدرت من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في الآونة الأخيرة، حيث تلاحقت في غضون بضعة أيام، بدأها الناطق الرسمي للقوات المسلحة ببيان بدا مبهماً لا يكاد يبين، لم يفهم أحد مناسبته ولا الغرض منه، ثم ما لبث أن صدرت الزميلة (اليوم التالي) تحمل تصريحاً لرئيس المجلس السيادي القائد العام للقوات المسلحة تحدث عن محاولة للوقيعة بين الجيش وقوى الثورة، ولم يكد يمر يوم آخر حتى ظهر الفريق أول البرهان في اجتماع لقادة الأجهزة النظامية متحدثاً عن شائعات تروّج لخلافات بين مكوناتها، نافياً ذلك بشدة، مؤكداً تماسكها، والتزامها بالقيام بواجبها في الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها، وتمسكها بالشراكة مع قوى الحرية والتغيير، وأخيراً دخلت قوات الدعم السريع على الخط أيضاً لتصدر بياناً بالأمس تقول فيه إنها (ستعمل بقوة لحسم وإخراس وقطع دابر الفتنة)، وتشير إلى شائعات تروج لوجود خلافات بين القوات النظامية.

(5)

ربما لن يختلف اثنان في أن تصريحات وبيانات (المنظومة الأمنية والعسكرية) التي تخاطب أشباحاً أو أطرافاً مجهولة، تسببت في إثارة قلق وانزعاج الرأي العام بأكثر مما فعلت هذه (الشائعات) و(الفتنة) التي لا يعرف أحد مصدرها، فالبيانات النظامية على كثرتها لم تفصح عن هذا (الشيء) الذي استوجب كل هذه التصريحات، مما يجعل الباب مفتوحاً أمام شتى ألوان التكهنات، وحتى التوقعات.

حقاً ما الذي يجري وراء الكواليس؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.