ما حكايتي مع سن ال39؟
كتب: جعفر عباس
.
يستنكر الحاقدون تمسكي بسن ال39 على مر الزمان، ويتساءلون: كيف يكون عمرك 39 سنة في 2002 ويبقى 39 في 2020؟ والإجابة: هل تعرفني أكثر من نفسي؟ هل أنا عايش على حساب عمرك؟ أعرف ان عمري بحساب الأرقام أكبر من 39 سنة، ولكن لماذا اقيس عمري بالأرقام، خاصة وانا شخص أكره الأرقام وسنين الأرقام بعد ما جلبته علي من شتائم في حصص الحساب المدرسية؟ وبالمناسبة فقد أدركت بعد فوات الأوان انني أعاني من إعاقة اسمها dyscalculia ويعاني المصاب بها من صعوبة فهم المنطق الذي تتم به العمليات الحسابية، تماما كما كنت أعاني من خوف مرضي من المصعد الكهربائي “الأسانسير”، وخلال عملي في السفارة البريطانية، كان مكتبي في الطابق الرابع في عمارة أبو العلا وإذا لم اجد كفيلا يطلع معي في الاسانسير كنت اصعد بالسلم، وكبرت في نظر الخواجات الذين اعتبروني قمة في النشاط والحيوية، وذات يوم كنت احس بالتعب ووقفت امام الاسانسير في انتظار فاعل خير يصعد معي، وجاءت حسناء كانت تعمل في موبيل اويل في الطابق الخامس من العمارة وتعجبت لوقوفي امام الاسانسير بينما الاسانسير يقف خاليا أمامي، وما ان دخلت هي حتى دخلت وراءها فما كان منها الا ان خرجت منه منزعجة، وازداد انزعاجها لأنني خرجت وراءها، وتوجهت نحو السلم وصعدت الى مكتبي وبعد بضع دقائق توجهت الى مكاتب موبيل اويل وما ان وقفت امام تلك الشابة حتى كادت ان تصرخ، فقلت لها مطاطئ الرأس ما معناه انني لم ادخل معها الاسانسير بنية سيئة (وكان الاسانسير ضيقا يتسع لثلاثة اشخاص بالعافية) وقلت لها انني اعاني من فوبيا (رهاب) الاسانسير وطلبت منها ان “تسترني”، خاصة وان عمنا مهدي احمد همد رحمه الله كان يعمل معها في تلك الشركة، وهو من ال مهناب وهم قوم لهم لسان الرباطاب الحلو اللاذع، وابتسمت بنت الناس وتعهدت بان تكون كفيلي في الصعود والهبوط متى ما التقينا عند الاسانسير.
أعرف عمري الحسابي تماما ولا انشغل به ولا اكترث له، ولكنني لا أحاول إخفاء “عمايل الزمان”، فلا اصبغ شعري ولست كثير الاهتمام حتى بأمور الأناقة (الرك على لشماعة)، ربما لأنني من قوم كانوا يعتبرون الرجل الذي يستخدم شيئا غير زيت الطعام كالنيفيا لترطيب البشرة مشكوكا في رجولته، أما من يستخدم أي دهان او جل على شعره فقد كان يفوز بلقب سحسوح بينما كان المتطرفون يقولون عنه انه “شاذ”.
مزاج الانسان العام هو ما يحدد ما إذا كان شابا او “شايبا”، والانسان الذي يردد انه دائما منحوس وسيء الحظ أو فاشل يظل سيء الحظ وفاشلا لأنه مبرمج نفسيا على ان يكون كذلك، وهناك صنف من الناس يتكلمون عن التقدم في السن وكأنه عقوبة فيطنطنون على الدوام: هييي راحت علينا.. ما نأكل زماننا وزمان غيرنا .. الدكتور ما عنده لي شي.
وأعرف جيدا أنني لست شابا بلغة الحساب والقوة الجسمانية ولكنني ارفض ان أكون عجوزا لأن الكلمة مشتقة من العجز، ولهذا لا أكلف أحدا بأداء مهمة أستطيع انا أداءها، ولست من نوع: يا ولد جيب مويه/ شاي/ وين الشبشب؟ بل لا يعجبني الشاي الا من صنع يدي وصارت ام الجعافر كلما اشتهت “شاي مزبط” تطلبه مني (أحسن معروف عملته في عيالي انني فطمت كل واحد منهم من الشاي في عمر 3 سنوات).
وظللت على الدوام أحس بأنني قريب من جيل الشباب، وعندما كان يوصف بأنه جيل بايظ ومستهتر، كنت أقول إنه جيل مستنير ومظلوم من حيث الفرص، ولم يخيب ذلك الجيل ظني فقام بثورة ديسمبر، والأمل كبير في ان يسترد الثورة من المدنيين اللصوص والانتهازيين والعسكر المجرمين الذين قتلوا زهرة شبابنا ويجلسون في قصر الحكم.