“مبادئ القانون ، لا تتغير!”
كتب: عثمان ميرغني
.
قد لا يفوت على فطنة القارئ في عمود “حديث المدينة” أمس أن المقصود رجل الأعمال “معاوية البرير” وورد خطأ اسم “مأمون” .. وقد سردت في العمود أن مبادئ القانون والعدالة لا تتغير وفق توصيف المتهم والتهمة، فحتى المخلوع والذي كان رأس الدولة في النظام السابق تتوفر له الآن كل حقوق الدفاع عن نفسه في مختلف المحاكم التي يخضع لها أو التي سيحال إليها في المستقبل.
رجل الأعمال معاوية البرير سمع من التلفزيون بقرار استرداد أسهمه في المزرعة ومحلج كساب بولاية سنار ” الذي يملكه كاملا”، ولم تتوفر له فرصة الرد على الحجج والاتهامات التي سيقت في حيثيات قرار لجنة إزالة التمكين.
مثل هذه القرارات لا تخدش العدالة ومبادئ القانون فحسب، بل تصبح خطراً كبيراً يهدد بطرد الاستثمار الوطني فضلاً عن الأجنبي من بلادنا، فلن يخاطر أحد بوضع أمواله في دولة تنزع الملكية والأصول دون حتى توفير حق الرد فضلاً عن الخضوع لمنصة القضاء.
في عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، وفي مساء يوم 25 مايو 1970 وعلى منصة استاد الخرطوم في الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة مايو – كما كان يطلق عليها- أعلن نميري مصادرة وتأميم عدد من الشركات والبنوك والأعمال وكانت تلك أقوى لطمة في وجه الاقتصاد السوداني لم ير العافية بعدها حتى اليوم.
العلامة الدكتور جعفر ميرغني في محاضرته الأسبوعية بصحيفة “التيار” بعنوان “أضواء على الحضارة السودانية” قال أن كتشنر بعد فتح السودان خطط مدينة الخرطوم وكتب في مذكراته الرسمية عنها أنها ستصبح (عاصمة للتجارة الدولية)، ووصف السودان بأنه بلد هبة التجارة الدولية التي ستجد فيه الملاذ الآمن ويصبح قبلة الاستثمار في أفريقيا.. كان ذلك قبل أكثر من مائة سنة.. فهل يتسق أن يكون السودان قبلة التجارة والاستثمار الدولي مع مسلسل نزع المشروعات الزراعية والصناعية بقرارات إدارية دون أحكام قضائية، ودون حتى إتاحة حق الرد أضعف الإيمان.
ويزيد الأمر سوءًا غياب – أو تغييب –المحكمة الدستورية، وهي ميزان العدالة الأعلى الذي يضبط الإيقاع الدستوري لمؤسسات الدولة بما فيها السلطة القضائية نفسها.
من الحكمة أن تراجع لجنة إزالة التمكين ليس القرارات وحدها بل آلية صدور القرارات، على الأقل أن تتحول هي إلى لجنة ادعاء في مواجهة من تحوم حولهم الشبهات لتحملهم إلى منصة القضاء وتضع أمامه ما يتوفر لديها من أدلة ووثائق فيصدر القرار من القضاء بصورة طبيعية سالكاً الدورة العادية القانونية.
السفير الأمريكي السابق بالخرطوم قال لي أن الشركات الأمريكية التي ترغب في الاستثمار في السودان عندما تتصل بالسفارة تبدأ بالسؤال عن مدى توفر سيادة القانون، ومعايير العدالة.. قبل السؤال عن الفرص والعائد المادي المتوقع.
“دولة القانون” أقوى جاذب للاستثمار..