محاكمات الشجرة: أحكام تحت تأثير الويسكي

0 152
كتب: د. عبدالله علي ابراهيم
.
وكان نميري غائباً يومها عن المدرسة
(تناقل كتاب الإنقاذ والفلول خبراً منسوباً إلى اللواء بكري حسن صالح قال فيه إنه يفضل أن يقتلوه في الدروة بدلاً من جرجرته للمحاكم. ولا أدري أنه قال ذلك. ولربما كان مجرد “تنبر” من شيعته. وقلت لمن أذاع هذه الذائعة لقد حدث ما تمني اللواء، “موت الدروة، موت الفجعة”، لرفاقنا في الحزب الشيوعي والقوات المسلحة بعد هزيمة انقلابهم في 22 يوليو. وحسب المنايا أن يكن أمانيا. كما كذب نفس الكُتاب والفلول من خلال اسنانهم (كما يقول الخواجات) يروجون أن الحكومة الانتقالية صبأت وأباحت الخمر. ويسمج بهذا الحديث عن المحاكمات من بايع جعفر النميري، قاضي تلك المحاكمات الطاشم، في ود الفادني إماماً على المسلمين بعد مليونية الاحتفال بقوانين سبتمبر 1983. بايعه كبارهم حرفياً بلا إرادة ولا استحياء. وغفر لهم، الأمام التائب ما تقدم من ذنبهم وما تأخر في جزيرة ابا و ثورة شعبان 1974،”غزوة المرتزقة” 1976. ثم “نجر” عليهم في أخريات حكمه وووراهم مقامهم. فقادوا ثورة رجب.
وتجد أدناه قصة القاضي الطاشم جعفر نميري من وراء محاكمات الشجرة في يوليو 1971 على لسان الصحفية المصرية مريم روبين التي غطت تلك المحاكمات لجريدة الأخبار. وكان خبرها معلوماً بلا روبين.
نشر الأستاذ جعفر السوري كلمة له منذ 31 مايو 2009 عن أستاذنا عبد الخالق محجوب. وفيها نص صريح عن مريم روبين عن انعقاد تلك المحاكم تحت تأثير الكحول. فكان القاضي المقيم لتلك المحاكمات من وراء حجاب صفيق هو الديكاتور جعفر نميري. وكان طاشماً لا يكف عن شراب الويسكي الاسكتلندي يأمر بالأحكام ويصدق عليها. كتب السوري يقول:
(سيظل اغتيال عبد الخالق محجوب عملا خسيسا دنيئا، وجريمة نكراء بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني، وإهانة بالغة وتجاوزا لكل معايير العدالة، ونقطة سوداء في تاريخ القضاء العسكري السوداني. وعلى المؤسسة العسكرية ان تعمل جهدها لإزالتها بمحاكمة ما جرى في معسكر “الشجرة”، حتى تحتفظ بسجلها ناصعا وبمناقبية أفرادها لا تشوبها شائبة. فقد كان ذلك اليوم، يوما عبوسا قمطريرا. لقد روت لي ما جرى صحافية مصرية من مجلة المصور حضرت تلك المأساة الى جانب قائد زمرة 25 مايو وأطلعتني على صور لم تنشر من قبل. التقيت بها في دار نقابة الصحافيين المصريين في العام 1988، حينما كنت وزميلي سجاد الغازي إسماعيل نشرف على دورة صحافية نظمها اتحاد الصحافيين العرب في القاهرة ربيع ذلك العام. كانت تلك أول فعالية عربية منذ مقاطعة العرب لمصر بعد زيارة السادات الى القدس، ولذلك احتفل بها المصريون أيما احتفال. رأيتها يومئذ وقد ارتدت الحجاب. قالت لي ان رئيس نظام 25 مايو/أيار كان مخمورا، لا يتوقف عن تناول الأسكتلندي العتيق من الزجاجة مباشرة، وكذلك بقية زملائه. لقد رد حكم المحكمة مرارا، طالبا الاعدام لعبد الخالق، وكنت أظنه في وقت من الاوقات انه سيطلب من رئيس المحكمة ان يحكم على نفسه ايضا بالإعدام. تلك الهستيريا، قالت لي، لم اشاهدها حتى في افلام الغرب الاميركي، التي تصور المكسيكيين سكارى، أجلاف، ووحوش كاسرة ومغتصبين. هنا رويت لها ما درسناه في مقرر التاريخ للصف الثاني من المرحلة الوسطى عن فيليب المقدوني. قلت لها ان القصة التي رويت لنا حينذاك هي عن ريفي أتى يشكو ظلامة الى فيليب، والد الاسكندر ذي القرنين، وكان فيليب قد استبدت به بنت الحان فأصدر حكما جائرا على ذلك الريفي، الذي صاح انه سيستأنف. هنا استشاط ملك مقدونيا غضبا وصاح في وجه الرجل: ستستأنف لمن؟ فقال سأستأنف حكم فيليب السكران الى فيليب الصاحي. هنا أدرك ذلك الملك ما أتى فعفى عن الرجل. قالت لي بسخريتها المصرية: يبدو ان صاحبنا كان غائبا عن المدرسة يوم تعلم زملاؤه ذلك الدرس!
والسكران في ذمة الواعي حتى بعد نصف قرن من الزمان.
مريم روبين تتحدث إلى ضابط ممن اشترك في عودة نميري في 1971

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.