محـــض لصــــوص والخرطــــوم أبوهـــــم!

0 38
كتب: آدَمْ أجْـــــــــــــــــرَىْ
.
التضييق الممنهج الذى مورس على مواطنى الهامش فى أقاليمهم، حتى إضطروا اللجوء إلى الحواضر الكبرى، وتواصل الضغوط عليهم من قرب بمختلف المسوغات، كان لابد أن يكون له تبعات، ومسألة وقت قبل ظهور السوالب. الجرائم التى أخذت تقع هنا وهناك منذ سنوات، لابد أنها كانت إعلاناً عن وصول جيل جديد من المطحونين الذين لا سند لهم ولا ظهير. أجل، الدولة مارست ضغوطاً مذلة على شعبها، وتجاوزت كل الحدود عند تعاملها مع تلك الفئات الإجتماعية التى واجهت منها ما لم يحتمله أحد، تبرأت منهم تمام التبرؤ. كنستهم فى مواطنهم كنساً ضامرة نوايا الإبادة. الصليب الأحمر عندما كان بالإنابة عنها يحاول إنشاء معسكرات إستقبال لتقديم خدمات أولية، كانت تعترض وتحتج: كيف نطعم أبناء المتمردين ونربيهم فيعودون إلى محاربتنا! وعندما ضيق الخناق على مطاريد الحرب فى الخرطوم، دفعتهم الحكومة دفعاً وبالعنف إلى أبعد مكان، قطعة أرض فى الصحراء، منفى وسجن مفتوح، سماه أهله: جبرونا، والإسم له دلالاته، والمكان له متشابهات، وجبرونات متعددة. تذكرون زيارة كبير أساقفة كانتربرى لها فى مطلع التسعينيات، والدولة تنظر إليه بعين ريبة لا مسؤولية معها. بابا الفاتيكان عندما أتى كان منتبهاً لهذه الأماكن أكثر من غيرها.
لا ينكر أحد أن السواد الأعظم من المواطنين فى أقاليمهم الأصلية، فى الإتجاهات الأربعة، لم يكونوا يوماً قتلة ولا لصوصاً، والمركز أصلاً، وقبل كل شيئ مركزٌ لتفريخ المجرمين، يعلمهم كيف يسرقون من تروس الإنتاج بدلاً عن تشغيلها، وفيه تتجلى مظاهر ثراء غير منطقى لدى الأفراد، فيللات وسط قمائم يؤسسها لصوص المال العام، الدولة تحترمهم وتحميهم. أولئك بحق مصدر إلهام عظيم للنشالين، قطاع الطرق وزوار الليل، الذين يحلمون بتحقيق نفس ترف إخوانهم وملهميهم.
مضت الحياة بسكان الجبرونات من سيئ إلى أسوأ، لا الكنائس ورجالها، ولا المنظمات التطوعية، ولا البطش الحكومى أفلح فى إنقاذها من تداعيها. فأنشأت أجيال لا تعرف للأسرة طعماً ولا وجوداً. الأمهات خرجن إلى العمل فى الشوارع والبيوت، ومنازل اللصوص الكبار نفسها، كى يوفرن للأفواه طعاماً. الآباء تقطعت أحذيتهم، حفيت أقدامهم وتشققت فى مساعى البحث عن عمل، فى العتالة ورش البناء أو المصانع المنهوبة المتوقفة منذ سنوات، فقدوا السيطرة على كل شيئ، بعضهم غرق فى السكر، تساقط التلاميذ والتلميذات من المدارس فاستدرجتهم دروب الإنحراف منذ الصغر. ذلك هو المشهد الأكبر للص مراهق يخطف هاتفاً ينطلق به هارباً بين الأزقة..
لا شك أن المواجهة الواجبة لا تقتصر على زيادة قوة الشرطة رغم ضرورتها فالشباب يحتاجون إلى فرص عمل. ولا على إعادة إنتاج محاكم العدالة الناجزة لأن عائلاتهم فى حاجة أكثر إلى الطعام. الإجراءات الفعالة تتم بميكانيزمات علم الإجتماع التى تتجاوز القشور وتذهب إلى الجذور، ونسمع بوزارة ضخمة إسمها: الشؤون الإجتماعية فلا نشهد لها وجوداً فى هذا المضمار.
الكنائس حاولت إيقاف التداعى بالإستفادة من موارد تجمعها من دول ثرية، لكنها بالمثل كيانات غير مرحبة بها، محاربة، مواطئ أقدامها مهددة. وحسابات الإسلامويين تقول: أنّ تحول هؤلاء المنكوبين إلى لصوص وقتلة، خير لهم من إتباعهم أناساً يقولون: إن ضربك أحدهم على خدك الأيمن فأدر له الأيسر وإن أخذ رداءك فإعطه إزارك. ثم تفتقت عقولهم الخربة بفكرة أخرى. أن تشكل منهم عصابات منظمة لإرهاب المواطنين، ثم تقول للناس أنهم المتفلتون.
لقد فشل الجميع فى كل شيئ، وحكومة اليوم تحصد ما زرعته حكومات الأمس. اللصوص والنشالون هم صنع المركز، منتمون إليها أكثر من إنتمائهم ربوع آبائهم، ومثل ما لا يصح نسب الصغار منهم إلى أقاليم الحروب: جبال النوبة، النيل الأزرق ودارفور. لا يحق نسب الكبار إلى الشمالية، نهر النيل أو الشرق والبطانة. إنهم محض لصوص فى حضن أبيهم الخرطوم، هم بذرتها ونتاجها. ومثل ما لا تبرير لإنحراف الصغار، لا ثمة تعليل لجرم الكبار، اللص يظل لصاً لا يستحق إحتراماً غض النظر إن أتى من تلشى أو الكرمك، وادى صالح أو مروى. أو زينت صدره النياشين. والله غالب فى أمره…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.