مسلسل الأزمات

0 79

كتب: د. النور حمد

لا يوجد في دول الجوار في شرق إفريقيا، صوف خبز، أو وقود، أو غاز؛ لا في كينيا، ولا يوغندة، ولا إثيوبيا، ولا تنزانيا. أما نحن، فقد ظل هذا وضعنا، منذ أن أدخلنا جعفر نميري، بسياساته الاقتصادية المرتجلة، في منتصف سبعينات القرن الماضي في هذا الجحر. فمنذ خمسة وأربعين عامًا، ونحن ندور في هذه الدائرة الشريرة، باستثناء وقتٍ قصير، هو فترة عوائد النفط، قبل انفصال الجنوب. إذن، لابد أن هناك علةٌ بنيوية في الطريقة التي ظللنا ندير بها بلادنا. فنحن بلاد الكيد، والكيد المضاد. وهذه علة مُقعدة، جعلت رأسماليينا، ضمن الأسوأ في العالم، ابتداءً من كبار الحيتان، وانتهاء بأصحاب الكناتين، في الأحياء الشعبية. كما جعلت سياسيينا، ضمن الأسوأ في العالم النامي. ودونكم حالنا، وحال دول الجوار، التي تعد أفقر منا، بما لا يقاس، من حيث الموارد.

بدأت قوى الثورة المضادة تضرب، منذ أن تسلمت الحكومة الانتقالية مهام الحكم، على وتر الأزمات، لتدلل على أن الحكومة الانتقالية حكومةٌ فاشلة. هذا، على الرغم من أن هذه الأبواق الإنقاذية المأجورة، التي تقود، هذه الحملة القذرة، تعرف، أكثر من غيرها، إنها، إنما تمارس تدليسًا، صريحا. ولو أننا رجعنا إلى أرشيف صحفهم الباهتة، هذه، التي ما كانت، طيلة فترة حكم الإنقاذ، سوى “صوت سيِّدِه”، لوجدناهم قد أنفقوا زمنًا طويلاً، في مناقشة نفس هذه الأزمات، ولكن، بطريقتهم الحنونة، الملساء، المحسوبة. لقد خلقت الإنقاذ دولةً موازيةً، أفقرت بها الدولة الأصلية، فتركتها مجرَّد قوقعةٍ فارغة. الذي كان يحدث، في العهد البائد، حين تشتد الأزمات، أن الرئيس يتصل بأركان الدولة الموازية، ويطلب منهم إنقاذ الموقف، فيستجيبون صاغرين. كما رأينا كيف تاجر في القضايا الإقليمية، فهجر حلفًا، ودخل حلفًا مضادًا، لقاء بضع أعطياتٍ، نقديةٍ أو عينية، من ملوك وأمراء الخليج. نعم، نحن نعاني الآن، معاناة فظيعة، ولكن بسببكم أيها الانقاذيون. ولا مهرب لنا من احتمال المعاناة، حتى ننجح في إدماج الدولة الموازية، في الدولة الأصلية.

هناك وضعٌ يسميه الغربيون “النبوءة التي تصدق نفسها، بنفسها” Self-fulfilling prophecy. أي، أن يخلق الشخص الأزمة ثم يقول: ألم أقل لكم إن هذا سوف يحدث؟ تعلم أبواق العهد البائد، قبل غيرها، أن الدولة الموازية لا زالت قائمة. وأن الحكومة الانتقالية لم تسيطر بعد على موارد هذه الدولة الموازية. فالدولة بقيت منهوبةً على مدى ثلاثين عاما. لكنهم، مع ذلك، يريدون للحكومة الانتقالية أن تجترح معجزة، تنزل بها عليها مائدةٌ من السماء، وتنفرج الأزمات في لمح البصر. يحدثوننا وكأن المصانع كانت دائرة، وكأن عوائد الصادر، من بيع الذهب، والسمسم، والماشية، وغيرها من الصادرات، كانت تعود إلى خزينة الدولة. إنهم، يعرفون، كما يعرفون جوع بطونهم، أين هي الدولة الموازية الآن. لكنهم لا يشيرون إليها، لأمرٍ في نفس يعقوب. فالغرض مرض.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.