مفاهيم ملتبسة

0 63
كتب: عمر العمر
.

هناك خلط ضار في عدد من المفاهيم والمصطلحات يزيد من تعقيدات المرحلة الإنتقالية. هناك فارق بين دولة السلطة وسلطة الدولة. في الأولى ، تُكرس جميع مؤسسات الدولة وتشريعاتها لصالح السلطة الحاكمة. في الثانية ، يتم تكريس كل مؤسسات الدولة، تشريعاتها وقياداتها لصالح الشعب والوطن. في الأولى ، يُغيَّب المواطن والمصلحة العامة. في الثانية للمواطن حق إعلاء قيمته، مشاركته وأحلامه الوطنية.في دولة السلطة يتعرض المواطن لكافة أشكال القمع . تحت سلطة الدولة يمارس حقوقه غير منقوصة
*** *** **
ثمة خلط بين الدستور والشرعية الثورية. ما من ثورة تضبط حركة التغيير المنشود على إيقاع منظومة تشريعات العهد السابق. حالتئذ تصبح حركة إصلاح لا ثورة. دستور ذلك العهد يسقط باستيلاء الثورة على السلطة .بما أن الثورة في الأساس تمرد عنيف مضاد للدستور الحاكم فهي تستمد شرعيتها من ذاتها.إبان المرحلة الإنتقالية تسود الشرعية الثورية. غاية الشرعية الثورية المحورية تأمين نجاح الثورة.ذلك النجاح لا يتم فقط باستبدال السلطة ، إنما بهدم كل قواعد النظام السابق بغية إعادة بناء مجتمع حديث.
*** *** ***
هناك مفهوم مبتسر لحرية الرأي.هذا الحق الأساسي المكفول بموجب إعلان حقوق الإنسان والقانون الدوليين مقيَدٌ بواجبات ومسؤوليات. أبسط قيوده تتمثل في المقولة المتداولة ” تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين”. من الواجبات عدم المساس بحقوق الغير،احترام الآداب العامة، الحفاظ على البيئة ، حماية النظام والأمن القومي.إبان المرحلة الإنتقالية يصبح حماية الثورة واجبا مقدساً. كل عمل يستهدف النيل من الثورة يشكل انتهاكاً صريحاً للشرعية الثورية.
*** *** ****
البون شاسع بين ممارسة النقد البناء وأعمال الهدم الخرقاء . أبسط آليات الفرز بين الإثنين تتجسد في مصادرها. لا تشابه بين أنصار الثورة وخصومها.لا تماثل بين غايات كل منهما. الحديث عن إفساح الساحة لمقارعة الحجة بالحجة منطق مغرق في السذاجة. أي جهد يصدر من الربوة المناهضة يستهدف ضرب الثورة أو على الأقل أرباكها.ولوج حلبة المقارعة يعني إهدار جهد خلاق في معركة خاسرة.في مرحلتنا الإنتقالية الراهنة أعداء الثورة يملكون – ياللمفارقة – منصات وعتاد أكثر من أنصار الثورة.هذه المفارقة لوحدها تقتضي مراجعة مجموعة من المفاهيم المبتسرة الخاطئة لدى قيادات السلطة التنفيذية.
*** *** ***
حق حرية الرأي لا يطلق البتة حق حرية التعبير عنه. الأول حق مطلق إذ ما من سلطة تصادر حق المواطن في التفكير. لكنما حق ترحمة ذلك التفكير على الأرض تحده قيود وظروف المجتمع. فقطع الطرق إحتجاجا يمس مصالح المجتمع. الكذب الصراح حين يستهدف التشكيك في قرارات سلطة الثورة يستوجب على الأقل المساءلة الفورية إن لم تكن المعاقبة. الثورة عدالة
كما هي حرية.
*** *** ***
لا فارق بين العدالة وبسط هيبة الدولة. بما أن الثورة تنطوي في إحدى جنباتها على ضرب من الفلتان فمن أولويات سلطة الثورة استرداد هيبة الدولة. أول تجليات فرض هيبة الدولة بث الشعور بقدرتها على الردع مقابل محاولات المروق عليها في أي الصور تأتي تلك المحاولات. لا غضاضة في ذهاب السلطة حد استخدام العنف المنظم إن رأت. من غير المنطقي تحريض السلطة على
ممارسة جماعات اشكالا من العنف تحت ذريعة حرية الرأي أو السماح لأفراد استغلال منابر عامة للنيل من سلطة الثورة تحت حجج حرية التعبير.
*** *** ***
هناك لبس فاضح بين المرحلة الانتقالية وولوج مرحلة الممارسة الإنتقالية . نهاية النظام الاستبدادي الشمولي لا تعني الدخول إلى زمن الديمقراطية . لهذا انبثقت فكرة مشروع المرحلة الانتقالية . هي جسر بين الضفتين. عليه يكون العبور من الأولى إلى الثانية .عليه يجب إعمال الفكر للتخلص من كل درن الشمولية لكن ذلك لا يتم بالاستعجال لبلوغ الضفة الثانية.
*** *** ***
هذه المفاهيم الشائهة وأترابها تعشعش في غياب قيادة مقتدرة تملك – فيما تمتلك – مشروعاً وطنياً لبناء مجتمع جديد.فضعفها يجرفها نحو المساومة والمراوغة والجفول عن المواجهة.غياب المشروع يسقطها في فخاخ الإلتباس ، التردد والمراوحة . هي تصبح عاجزة بالفعل عن التصدي لإنجاز مهام المرحلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.