مفهوم الحب عند نيتشه (1)

0 132

بقلم : محمد أسماعيل
مشروع نيتشه الفلسفي يقوم على أساس تقويض دعائم الاخلاق اليهودية المسيحية والتي يري انها اخلاق تكبل وتكبت الانسان وتجعله ضعيفاً، ولكي يتقدم الانسان ويتطور، يدعوا نيتشه الي تبني منظومة قيم واخلاق جديدة تكون داعمة لتطور الانسان وتقدمه.
سوف اناقش من خلال مجموعة من المقالات مفهوم الحب عند نيتشه وذلك من خلال تحليل شخصية الانسان الخارق كما تصوره نيتشه، وكذلك سوف اناقش كيف استعانت النسويات (Feminists) بشخصية الانسان الخارق وكيف وُظفت هذه الشخصية في رسم الملامح العامة لشخصية المرأة القوية المستقلة المكتفية بذاتها.

يري نيتشه ان القانون الأساسي في الحياة هو قانون التطور والتقدم ولكي يستطيع الانسان أن يساير هذا القانون وبالتالي يستطيع أن يرتقي بحياته، على الانسان ان يتخلى عن بعض القيم والمبادئ التي يري نيتشه إِنَّها بطبيعتها ضد تطور وتقدم الإنسان. لذا يعتقد نيتشه ان بعض القيم مثل الرحمة والشفقة والإِيثار هي قيم بطبيعتها ضد الحياة وتعوق تطورها، لأنها تمد، يد العون للضعفاء وتسمح باستمرارهم في دورة الحياة، وهذا ينافي قانون الاختيار في الحياة، بحيث ينبغي أن يبقي ويستمر كل ما هو قوي وجميل، ويفني ويندثر كل ما هو ضعيف وقبيح.
يعتقد نيتشه إن الدين (الإله) هو المصدر الأول للقيم والأخلاق التي تتنافي مع الحياة وتدعم الضعفاء، وبالتالي لكي تستطيع البشرية الازدهار والنماء، عليها أن تتخلي عن هذا المصدر (موت الإله) ومن ثم عليها أن تبحث عن قيم وأخلاق بديلة تكون داعمة للحياة بحيث يستطيع الانسان من خلالها النمو والتطور. ولكي يتجاوز الانسان الاخلاق والقيم الموروثة من الأديان يدعو نيتشه الي تبني مفهوم الانسان الخارق “Overman” وهو الانسان الذي قد استطاع ان يجري عملية تشريح نفسي لذاته وذلك من خلال تدمير وتحطيم كل القيم والأخلاق المستمدة من الأديان والأعراف والمجتمع والتي يعتقد نيتشه انها قيم واخلاق تعوق ازدهار الحياة.
وبعد أن يجري الانسان الخارق عملية التدمير الذاتي للقيم والأخلاق القديمة فسوف يصبح حراً ومستعداً من أجل ان يخلق قيمه ومبادئه التي يؤمن بها، وبالتالي فإنسان نيتشه (الانسان الخارق) يعتبر انسان مستقل عن أي مصدر خارجي للقيم والأخلاق سوي كان هذا المصدر الأديان او المجتمع. وأيضاً ما يميز انسان نيتشه انه انسان منغلق ومنكفئ على ذاته وفي نفس الوقت لديه عزيمة وإصرار على تحقيق ما يحلم به من قيم ومبادئ بالإضافة الي قدرته على تحمل متاعب ومشاق الحياة.
نيتشه يعتبر إن هذه الحياة تتطلب وجود أشخاص يتمتعون بصفات خاصة مثل قوة الإرادة والعزيمة والإصرار وهي سمات مهمة للإنسان حتى يستطيع عن طريقها ان يقود عجلة الحياة لما فيها تطور وازدهار البشرية، لذا فإنسان نيتشه لا يبالي ولا يكترث بمتاعب الاخرين فهو يعتبر بعض الفضائل الاجتماعية مثل الحب والرحمة والشفقة نوع من الضعف والانكسار التي لا تليق بالإنسان الخارق الذي ينبغي ان يحمل مشعل الحضارة الي ما فيه تقدم البشرية وازدهارها.
في ضوء ما تصوره نيتشه عن انسانه الخارق والصفات التي يجب ان يتميز بها، السؤال الذي أطرحه هنا، هل يستطيع انسان نيتشه ان يحب! أو حتى ان يتزوج؟ هل انسان بهذه الصفات سوف يكون لديه متسع في قلبه للحب والمودة والرحمة وهذه ابسط القيم التي يتطلبها الحب والزواج. الحب كعلاقة إنسانية نبيلة مبنية على الرحمة والمودة والشفقة والخضوع واحياناً الانكسار اتجاه المحبوب، كما قال أبو فراس الحمداني
“فدع التعزز، إن عزمت علي الهوى إن العزيز، إذا أحب، ذليل ”
لكن انسان نيتشه يري كل تلك الصفات الجميلة التي ينبغي أن يتحلى بها المحبوب نوع من الرذائل والنقائص التي لا تليق بالإنسان الخارق، لأنه انسان مكتفي بذاته ولا يحتاج لأن يخضع الي أي طرف اخر، فهو انسان قد استطاع ان يتخلص من مشاعر الضعف والنقص التي تعتري عامة البشرية لذا فهو انسان ذو كبرياء وأنفة والحب يتطلب نوع من الخضوع فالشعار المقدس للمحبين “لا كبرياء في الحب”، ولكن كل ما يريده انسان نيتشه هو هذا الكبرياء!! وفقاً لما تقدم فإن انسان نيتشه يعتبر انسان بائس خالي من الرحمة والشفقة ولا يعرف الحب الي قلبه سبيلا، لان الحب وفقا لهذا الانسان يعتبر نوع من النقص في حين ان كل ما يسعي إليه انسان نيتشه هو الكمال والاكتفاء الذاتي من ناحية المشاعر والأخلاق والقيم دون الحوجة الي الاخرين.
(نواصل)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.