مفهوم الحب عند نيتشه (2)

0 57

بقلم : محمد أسماعيل
في المقالة الأولي تحدثتُ عن رؤية الفيلسوف الالماني نيتشه للإنسان المثالي او الخارق (Overman) وماهي اهم الصفات والمميزات التي ينبغي ان يتحلى بهما، حيث يعتقد نيتشه أنّ الانسان الحالي لا يستطيع أن يقود عجلة الحياة الي الامام إلا إذا تخلص من بعض الصفات والخصائص النفسية مثل الشفقة والرحمة والمودة والتي يراها انها تمثل عائق ام تقدم وازدهار الإنسانية.
إذا افترضنا ان هنالك مجتمعاً ما، يتكون أفراده من انسان نيتشه (الانسان الخارق)، هناك سؤالان يطرحان نفسيهما وينبغي ان نجاوب عليهما. أولاً: كيف يمكن أن يعيش افراد هذا المجتمع مع بعضهم البعض, لاسيما أنّ الانسان كائن اجتماعي يعيش وينشأ في بيئة اجتماعية محددة, ابتداءً من الاسرة الصغيرة مروراً بالعشيرة والقبيلة وانتهاءً بالدولة او الأمة, فلكل نظام من هذه النظم الاجتماعية قوانينه الخاصة, لان لأي مجتمع بشري لابد من وجود قوانين تحكم العلاقة بين افراده, واذا اخذنا بعين الاعتبار ان لكل فرد من انسان نيتشه معياره الخاص للقيم والأخلاق التي قد تختلف وتتعارض مع قيم واخلاق الاخرين, لذا كيف يمكن أن يتواضع مثل هكذا انسان علي قوانين وقيم واخلاق تكون محل رضي وتوافق الجميع! فتركيبة انسان نيتشه النفسية لا تسمح له بان يخضع لاي قيم وأخلاق خارجية، فهو يعتبر نفسه فقط مصدر الاخلاق والقيم، لذا من الاستحالة بمكان أن يؤسس مثل هكذا انسان أي مجتمع بشري.
ثانياً: كيف سوف ينمو ويتكاثر افراد الانسان الخارق، الذي يري الحب والمودة نوع من الرذائل التي لا تليق بالإنسان القوي! فالجواب البديهي أنّ هذا المجتمع سوف يتكاثر كما تتكاثر الحيوانات، لان العلاقة بين الذكور والاناث سوف تكون علاقة ميكانيكية خالية من أي بعد روحي أو عاطفي أو قيمي، لأن كل من الطرفين لديه معيار خاص للقيم والأخلاق بالإضافة الي ذلك أن انسان نيتشه بطبيعة تكوينه النفسي يرفض مبدأ التنازل والمساومة في علاقاته مع الاخرين لأنه انسان ذاتي يري في أي علاقة عاطفية نوع من السيطرة والإكراه، لذا وفقاً لأنسان نيتشه فان الحب ومؤسسة الزواج تعتبر مؤسسة مبنية على السيطرة والاخضاع سوي كانت سيطرة عاطفية او بدنية.
فإنسان نيتشه بالرغم من اعتقاده انه أصبح سيداً لنفسه وانه استطاع أن يخلق معايره الخاصة لمعني الخير والشر، وانه انسان ذو إرادة وعزيمة، الا انه في الاخر ليس سوي وحش كاسر لأنه انسان فاقد للحب والعطف والمودة. ان اهم ما يميز الانسان عن الحيوان هو ملكة العقل بالإضافة الي العاطفة (الحب)، لان الحيوانات ليست لديها فهم مجرد للحب، فهي قد تختار شريكها لأسباب تتعلق بالفرد الأقوى المسيطر على القطيع، ولكن الحب كمفهوم مجرد يمارسه الفرد بكل حرية واختيار بعيداً عن أي حسابات منطقية او عقلانية، يعتبر خصيصة اختص بها الانسان دون بقية الحيوانات.
نيتشه أضفي على انسانه صفات القوة والتحمل والعزيمة والإصرار، وهي الصفات التي يعتقد انها ضرورية ويجب ان يتسم بها الانسان الخارق حتى يستطيع أن ينجز التقدم والتطور في الحياة، ولكن بدون مشاعر الرحمة والحب والمودة هل يستطيع هذا الانسان ان ينجز التقدم والتطور الذي ينشده؟حتى إذا استطاع انسان نيتشه ان يسيطر على موارد الطبيعة وان يسخرها لصالحه، فالحضارة التي سوف يشيدها سوف تكون حضارة باردة لا روح فيها وسوف يغلب عليها مبدأ المنفعة الذاتية والانانية بعيداً عن روح التضامن والتكافل الاجتماعي.
فنيتشه قد انتقص من انسانه من حيث أراد له الكمال. فإنسان نيتشه ينطبق عليه قوله تعالي” لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ” لأنه انسان قد اختار بمحض ارادته ان يتنازل عن جزء مهم عن ما يميزه كانسان عن بقية الحيوانات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.