مفهوم الحب عند نيتشه (3)

0 92

بقلم : محمد أسماعيل
الحركة النسوية (Feminism) وإعادة توظيف مفهوم الرجل الخارق (Super man) عند نيتشه.
يمكن ان نستشف بعض من أفكار نيتشه وتصوره عن الانسان الخارق في كتابات بعض منظري الحركة النسوية “Feminism” واللائي في إطار تحليلهن لأسباب اضطهاد المرأة على امتداد التاريخ البشري ذهبن بعيداً حيث تبنين بعض من تصور نيتشه عن الانسان الخارق، حيث وظفن مفهوم الاكتفاء الذاتي في إطار صراعهن مع الرجل.
المرأة في الغرب مثلها مثل الكثير من المجتمعات، قد عاشت زمناً طويلا ترزح تحت نير الظلم والاضطهاد المجتمعي، ولأسباب عديدة نشأت الحركة النسوية في الغرب في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرون من أجل رد الاعتبار لكرامة المرأة بعد أن حرمت من ابسط الحقوق مثل حق التملك وحق التصويت في الانتخابات العامة. فالحركة النسوية في بداية امرها كانت حركة مطلبية فقد استطاعت ان تحقق إنجازات مهمة تتعلق بتحقيق العدالة والمساوة للمرأة في مختلف المجالات مثل حق التصويت في الانتخابات، المساواة في الأجور، فرص التعليم والتوظيف المتساوية، وسن القوانين التي تحمي المرأة من العنف الجنسي والجسدي. ولكن مع مرور الزمن تشعبت الحركة النسوية الي أيدولوجيات مختلفة مثل النسويات الاشتراكيات، النسويات اللبراليات، نسويات ما بعد الحداثة، الحركة النسوية البيئية “Eco-Feminism”، النسويات الاصوليات، والحركة النسوية الثقافية،، ، ،الخ. ومرد هذا التشعب والاختلاف في رؤى الحركة النسوية هو اختلافهم في الإجابة على السؤال المركزي الذي يتمثل في، ماهية الاسباب التي ادت الي اضطهاد المرأة؟ وما هو السبيل الأمثل لمساواتها مع الرجل؟، فكل مجموعة نسوية تقدم إجابة مختلفة لهذا السؤال ويعتمد ذلك على خلفيتها الفكرية والأيدلوجية، لذا من المهم أن نفرق بين المدارس الفكرية المختلفة للحركة النسوية ودوافعها.
لكن مع مرور الزمن وخاصة مع ظهور الموجة الثانية للحركة النسوية في الولايات المتحدة الامريكية في ستينيات القرن المنصرم، بدأ يتبلور تيار رئيسي وسط النسويات يدعوا الي أعادة النظر في مؤسسة الاسرة باعتبارها مؤسسة قائمة علي اخضاع واذلال المرأة، وبالتالي علي المرأة ان تتحرر من هذه المؤسسة اذا ارادت ان تنال حريتها واستقلالها الذاتي، ومن أجل خوض معركتهن الجديدة ضد مؤسسة الزواج، استعان منظرو الحركية النسوية بمفهوم الرجل الخارق عند نيتشه حيث قمن بإعادة توظيف المصطلح مع خلع دلالات جديدة عليه حتي يتماشى مع اغراضهن. فاذا كان الرجل الخارق عند نيتشه هو الشخص المكتفي بذاته القادر على خلق قيمه الخاصة دون الحاجة الي الدين او المجتمع فأن المرأة الخارقة او الفمنست هي المرأة المستقلة المكتفية بذاتها، الخارجة عن نطاق سطوة الرجل وسيطرته، المالكة لقرارها ليس فقط ماديا بل حتى عاطفيا، أي انها تري في الحب والعاطفة نوع من النقصان الذي لا يتناسب مع المرأة الخارقة (الفمنست). وفي هذا تقول سيمون دي بفوار والتي تعتبر من اهم منظري الحركة النسوية في القرن العشرين “لا أريد لحياتي أن تخضع لي أي أرادة أخري، فقط تخضع لأراداتي انا.” حيث نستشف من هذا الاقتباس ان دي بفوار تري في العلاقة العاطفية بين المرأة والرجل نوع من الخضوع.
لذا دعت الاصوليات من الحركة النسوية الي التخلي عن الرجل في ذاته وليس فقط محاربة مؤسسة الزواج او الاسرة، لأنهن يرين ان أي علاقة تربط المرأة بالرجل سوف تفقد المرأة فيه استقلاليتها، لذا، إذا ارادات الأنثى ان تكون مستقلة وحرة وان تحقق أهدافها واحلامها عليها ان تتخلي عن الرجل كما تخلي انسان نيتشه الخارق عن الدين والقيم والأخلاق من اجل تحقيق ذاته ومن اجل تقدم وتطور حياته، فالرجل عند بعض النسويات يعتبر عائق امام تقدمهن وتطورهن في الحياة.
ولكن للمرأة احتياجات عاطفية لابد من تلبيتها، لذا فان بعض منظري الحركة النسوية قد شجعن على اقامة العلاقات الجنسية المحرفة بين النساء، وذلك حتى لا تضطر المرأة الي الإذعان والخضوع للرجل عاطفيا، وهذا يمثل قمة الانحلال والسقوط الأخلاقي وهو نتيجة طبيعية لمحاربة الفطرة السليمة. وبهذا تكون قد تعلقت المرأة النسوية في منتصف طريق وعر وشائك فهي لم تستطع ان ترتقي الي النموذج القيمي الذي دعت اليه الأديان في إقامة العلاقات بين الرجال والنساء والذي يمثل الاسرة دعامته الأساسية، وفي نفس الوقت لم تستطع ان تنحط الي مستوي انسان نيتشه بحيث تكون مستقلة وجدانيا وعاطفيا دون التعلق باي شخص اخر سوي كان هذا الشخص رجل او أمرأه. ولكن أليس ما تدعوا له بعض النسويات الي التخلي عن الارتباط بالرجل مدعاة الي التدمير النفسي الذاتي لشخصية المرأة وطمس فطرتها السليمة التي خلقها الله بها، والنتيجة الطبيعة لتبني النسويات بعض أفكار نيتشه هو حيرة المرأة وارتباكها الوجداني واضطراباتها النفسية وهذه الاثار قد امتدت لتشمل الرجال ايضا، حيث توترت العلاقات الطبيعية بين الجنسيين حيث تحول مفهوم الزواج من علاقة قائمة على أساس المودة والرحمة الي ساحة لإثبات الذات وإخضاع للطرف الاخر.
ونتيجة لدعوات بعض النسويات الي محاربة مؤسسة الاسرة والزواج قد انفصمت عرى الاسرة في الغرب حيث تفككت الاسرة وقل معدل الانجاب وأصبح الكثير من الأشخاص يرون في مفهوم الاسرة والارتباط العاطفي عائق كبير امام تقدمهم الوظيفي وتحقيق احلامهم الشخصية¸ حيث تشير إحدى الدراسات التي أجريت عام 2016 في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية الي ان عدد الكلاب الموجودة في المنازل قد فاق عدد الاطفال، في إشارة واضحة الي تفضيل الافراد امتلاك الكلاب والقطط عن إنجاب الأطفال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.