رصد ــ السودان نت
قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن الدول التي تمر بمرحلة انتقالية سواء في أوقات النزاعات أو بعدها لا بد أن تحظى بمساعدة المجتمع الدولي ومجلس الأمن في تجاوز المرحلة وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
جاء ذلك خلال إحاطة السيدة ميشيل باشيليت أمام مجلس الأمن صباح يوم أمس الخميس في جلسة لمناقشة مسألة بناء السلام والحفاظ عليه بعنوان “العدالة الانتقالية في حالات النزاع وما بعد النزاع” بتنظيم من بلجيكا.
باشيليت التي كانت تتحدث عبر تقنية الفيديو من جنيف، قالت “إنه من أجل نجاح المجتمعات في الانتقال وبناء السلام، يجب معالجة قضايا مثل التمييز الممنهج والإقصاء والنقص في المؤسسات وانعدام المساواة والإفلات من العقاب.”
وأشارت المفوضة السامية لحقوق الإنسان إلى أن السلام لا يتحقق وحده بمجرّد إسكات صوت البنادق أو توّقف جرائم الانتهاكات، بل ينبغي الاعتراف بالمعاناة التي تكبّدها الضحايا وإعادة الثقة بمؤسسات الدولة وقوات إنفاذ القانون. “في السودان على سبيل المثال، كان الدافع الأساسي لإسقاط النظام هو مطالبة جميع أطياف المجتمع بالعدالة، وجاءت المظاهرات بعد عقود من تراكم الإفلات من العقاب على جرائم انتهاكات لحقوق الإنسان. وأدّت الاحتجاجات الشاسعة حول العالم إلى إعادة القوة للمطالب الشعبية من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والعدالة المناخية والحقوق الأساسية.”
العدالة الإنتقالية
بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فإن العدالة الإنتقالية تتألف من الآليات القضائية وغير القضائية على حد سواء، بما في ذلك مبادرات الملاحقة القضائية والجبر وتقصي الحقائق والإصلاح المؤسسي أو مزيج من ذلك. وأي مزيج يتم اختياره يجب أن يكون متوافقاً مع المعايير والالتزامات القانونية الدولية.
وفي حين أن مصطلح العدالة الانتقالية ظهر بعد موجة من الانتقالات السياسية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في أميركا اللاتينية ووسط وشرق أوروبا وفيما بعد في جنوب أفريقيا، جرى بعد ذلك تبني إجراءاتها كما تنفذها بعض الدول وتتابع مسارها دول أخرى حول العالم. وقد تطور هدف العدالة الانتقالية في العقدين الماضيين مع تنامي الخبرات وتغيّير ديناميكية الصراعات. وقد أشار مجلس الأمن إلى العدالة الانتقالية عبر تشكيل لجان تقصي الحقائق أو تكليف قوات حفظ السلام أو بعثات سياسية خاصة مثل بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق (يونامي)، كما أن المبعوثين الخاصين والممثلين الخاصين للأمين العام يعززون العدالة الانتقالية من خلال اتفاقيات السلام.
ولا يجب للعدالة الانتقالية أن تتطور في “فراغ” بل ينبغي أن تتزامن مع إجراءات انتقالية أخرى مثل الإصلاح في القطاع الأمني ونزع السلاح وإعادة الإدماج. ونجاحها يعتمد على مداها وسبل تصميمها وتنفيذها وإلى أي مدى تدعمها المجتمعات.
المحاسبة والمساءلة
وقالت ياسمين سوكا، رئيسة لجنة حقوق الإنسان في جنوب السودان، في إحاطتها إن التقرير المتعلق بتسليم عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبته على ارتكاب قتل جماعي وجرائم الإبادة يُظهر أهمية التطرق لموضوع الإفلات من العقاب المرتبط مباشرة باستعادة حكم القانون كمتطلب لتضميد الجراح والمصالحة. إلا أنها أشارت إلى أن الكثيرين لم يخبروا أحدا بقصصهم ولهذا فقد يستغرق الأمر عقودا قبل إحقاق الحق والعدالة. وقالت: “أحث الأمم المتحدة على تقديم الدعم المطلوب، ومجلس الأمن على ضمان عدم تكرار الانتهاكات والتطرق إلى أسبابها غير المباشرة خلال النزاعات بوصفها عنفا هيكليا وتمييزا واستغلالا اقتصاديا.”
وشددت على ضرورة النظر إلى السلام والعدالة على أنهما أمران ضروريان يعزز كل منهما الآخر، وليس استبدالهما بمفاهيم خاطئة مفادها بأن السلام يجب أن يأتي قبل المساءلة.
البحث عن الحقيقة
بدورها أثنت السيّدة باشيليت على مبادرات البحث عن الحقيقة، مشيرة إلى أن تلك المبادرات لا تتيح للضحايا إمكانية سرد تجاربهم فحسب، بل تخلق مساحات جديدة يمكن من خلالها للضحية والجاني إعادة الاتصال. “غواتيمالا على سبيل المثال تبرز في تقريرها النهائي التاريخي “ذاكرة الصمت” (1999) للجنة الحقيقة سجّلا رسميّا لانتهاكات حقوق الإنسان خلال النزاع. كما منح التقرير صوتا للضحايا وشكّل أداة مهمة للدفع بحقوقهم قدما. وأدّى التقرير إلى صدور أحكام حول جرائم العنف الجنسي المرتبط بالنزاع وغيرها من الجرائم، هذه الأحكام ضمدت جراح الضحايا وساهمت في تغيير حياتهم.”
واستشهدت بمساهمة المفوضية في ميانمار وجنوب السودان وسوريا واليمن. وقالت: “أدّت لجان الأمم المتحدة ولجان تقصّي الحقائق دورا مهما في الكشف عن الحقائق وقدّمت للسلطات المحلية والمجتمع الدولي صورة واضحة للعديد من القضايا التي تُعتبر في أغلب الأحيان شائكة وطويلة الأمد.”
جمهورية الكنغو الديمقراطية
وقالت باشيليت إنها عادت للتو من زيارة إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث مكنت المشاورات التي أجرتها الأمم المتحدة في إقليم كاساي العديد من الضحايا من التعبير عن وجهات نظرهم بشأن الحقيقة والمصالحة وتضميد الجراح، ومنع تكرار الصراع في المستقبل.
“هذه المشاورات وضعت حجر الأساس لتشكيل لجنة السلام والعدالة والمصالحة، وهو مشروع محلي يدعمه صندوق بناء السلام، يربط بين إجراءات العدالة الانتقالية، والأسباب الجذرية للصراع.”
وشددت باشيليت على أهمية عدم التكرار، وأوضحت أن ضمان عدم التكرار مرتبط ببناء المؤسسات وأوسع مشاركة ممكنة لمنظمات المجتمع المدني في اتخاذ القرارات.
ولفتت المفوضة العليا الانتباه إلى أن العدالة الانتقالية ليست بديلا عن المحاسبة الجنائية لمرتكبي جرائم الانتهاكات، ولكنّها وسيلة لإحقاق الحق وتمكين الضحايا وخاصة النساء والسكان الأصليين والأقليات الذين تعرّضوا للتهميش.
أهمية دعم الضحايا ومحاسبة المجرمين
وتطرق المشاركون خلال الجلسة لآليات تحقيق العدالة الانتقالية التي تهدف لاجتثاث أنظمة عدم المساواة والتمييز والانقسامات المجتمعية وغيرها من الأسباب الجذرية الهيكلية التي تؤدي إلى العنف وإدامة الصراعات.
وشددت ألمانيا خلال الجلسة على أن العدالة الانتقالية لا يجب أن تكون الهدف النهائي، ولكنها المسار لضمان عدم العودة إلى الوراء وتكرار الكوارث التي حدثت في الماضي، ودعت إلى تحمّل المسؤولية إزاء الماضي وصون حقوق الإنسان.
وأشارت فرنسا إلى ضرورة مكافحة عدم الإفلات من العقاب خاصّة فيما يتعلق بجرائم داعش. ودعت إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية وحثت على الانضمام إلى نظام روما الأساسي. وأكدت فرنسا على أهمية التوصل لآليات للجبر وتعويض الضحايا وتوفير الدعم اللازم لهم وخاصة ضحايا الجرائم الجنسية وتقديم المساعدة الطبية والنفسية لهم.
وركزت تونس على أهمية تحقيق العدالة وردّ الاعتبار للضحايا وجبر آلامهم وحفظ الذاكرة الاجتماعية لكي تتمكن المجتمعات من الانتقال من أنظمة استبدادية إلى أنظمة ديمقراطية.
بدورها حذرت الصين من تأثر سيادة قانون الدولة، مشددة على أهمية بناء القدرات والمساعدة في التوصل إلى سلام دائم وتحقيق تطور يخدم شعب البلد وإصلاح القطاع الأمني فيه ونزع السلاح ومحاربة الفقر ومكافحة كل ما يهدد العودة إلى النزاع. وأشارت إلى أن بعض النزاعات ممتدة لعقود بسبب انتهاك القانون الدولي والمبادئ الدولية ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ودعت مجلس الأمن إلى الاضطلاع بمسؤولياته للتأكد من تطبيق قراراته ذات الصلة لتفادي الانقسامات.