مليونية 30 ديسمبر: التحدي وتجاوز القمع

0 91

كتب: تاج السر عثمان بابو 

.

1 . انطلقت مليونية 30 ديسمبر هادرة في العاصمة ومدن السودان ، رغم إغلاق الجسور بالحاويات وقطع الانترنت والاتصالات وإغلاق شارع المطار وشارع النيل والمك نمر ، وحملات الاعتقالات الواسعة الاستباقية قبل وبعد الموكب ، والقمع الوحشي بالبمبان والرصاص المطاطي والحي ” كما حدث في مواكب ام درمان . الخ”، ومدافع الدوشكا ، والقنابل الصوتية ، واقتحام البيوت واعتقال المتظاهرين وضربها بالبمبان ، ورش الثوار بالماء الزرقاء ” ماء الظربون الضار بالصحة” واقتحام المساجد و ضرب من بداخلها مما أدي لحرقها ” كما حدث في مسجد ابوبكر الصديق” ، ومنع الاسعافات من نقل المصابين للمستشفيات ، مما أدي لاصابات واستشهاد أكثر من 3 أشخاص من أم درمان حتى كتابة هذه السطور ، اضافة للاعتقالات الواسعة وضرب المعتقلين وتعذيبهم .

 

رغم ذلك فقد كسر الثوار حاجز الطوق الأمني في صمود وبسالة ، واقتربوا من القصر للمرة الثالثة ، مما يعني أن الاغلاق بالحاويات لا معني له ، غير تعطيل الحركة وهلع الانقلابيين من سقوطهم الذي اصبح وشيكا ، مع دخول شهر يناير وجداول التصعيد المعلنة حتى نهايته ، ومع ذكري استقلال السودان بتحقيق السيادة الوطنية وتحرير البلاد من الاحتلال الأجنبي الذي تمثله قوات الدعم السريع قوات البرهان وجيوش حركات سلام جوبا ومليشيات المؤتمر الوطني ، التي تنهب ثروات البلاد ، وتصدر المرتزقة لحرب اليمن ، وتوسيع المقاومة للانقلاب الدموي ، ورفض التبعية للمحاور الاقليمية والعالمية بهدف نهب ثروات السودان ، وإقامة القواعد العسكرية علي ميناء بورتسودان .

 

جاءت المواكب هادرة التي شملت علي سبيل المثال لا الحصر : الخرطوم ، الأبيض ، الدمازين ، بورتسودان ، كسلا ، القضارف ، سنار ، مدني ، الدويم ، كوستي ، الضعين ، ميالا ، زالنجي ، الفاشر ، الجنينة ، البرقيق ، رفاعة ، المناقل ، النهود ، عطبرة ، حلفا الجديدة ، . الخ ، وكانت مواكب الأقاليم حاشدة لا تقل عن مواكب ولاية الخرطوم ، أكدت تلك المواكب أن شعب السودان لن يُحكم بواسطة قوات مليشيات الاحتلال الأجنبي ، كما في الشعار ” يابرهان ثكناتك أولي ، ما في مليشيا بتحكم دولة ” ، ” لن تحكمونا”.

 

2 . كما جاءت مليونية 30 ديسمبر تحديا صارخا وغاضبا لاجراءات الانقلاب الدموي لأمر الطوارئ الذي اصدره البرهان رقم (3) الذي أعاد سلطات القبض ، ومنح القوات النظامية التفتيش والرقابة علي المنشآت ، والحجز علي الأموال وغيره ، حظر وتنظيم حركة الأشخاص لجهاز المخابرات الوطني ، وتمتع القوات بالحصانة، هذا فضلا عن حملة الاعتقالات الواسعة التي قامت بها قوات الانقلاب في العاصمة والأقاليم لقيادات لجان المقاومة ونشطاء المعارضة ” كما في أمبدة ، الحاج يوسف ، وجبرة . الخ”، وجرائم الاغتصاب ، واعتقال وتعذيب الأطفال ” مثل الطفل مصطفي جودت” والتي وجدت استنكارا واسعا محليا وعالميا مع المطالبة بمحاكمة مرتكبي تلك الجرائم ضد الانسانية والحرب ، اضافة لاستنكار القمع الوحشي للمواكب السلمية ، مما أدي لاستشهاد (48) شخص ، واصابة أكثر من 600 شخص ، اضافة لحملة الاعتقالات الواسعة ، وحلاقة رؤوس الشباب في عملية ضد الانسانية ، والتعذيب الوحشي لهم كما اوضحت الصور والفبديوهات ، ورش المتظاهرين بمياه ” الظربون” الضار بالصحة والبيئة ، واستخدام قنابل القرنيت ، الاعتداء علي الأطباء ، ومنع علاج المصابين واقتحام المستشفيات ، وقطع الانترنت والاتصالات لحجب تلك الجرائم ضد الانسانية ، واغلاق الكباري بالحاويات ، التي عكست هلعا كبيرا وسط الانقلاب ، اضافة لحملات النضليل والأكاذيب للتعتيم علي تلك الجرائم ، التي تستوجب تقديم قادة الانقلاب والمشاركين معهم للمحكمة الجنائية الدولية ، اضافة لجرائم مجزرة فض اعتصام القيادة العامة وغيرها ، وجرائم الابادة الجماعية في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية..

 

جاءت المليونية في ظروف تفاقمت فيها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، وارتفاع الأسعار بعد الزيادات في أسعار الوقود ، وإغلاق الميناء الذي زاد من تكاليف النقل ، وأدي لارتفاع الأسعار ، وتضرر الصناعة منه ، اضافة لفقدان سمعة الميناء ، وتحول أغلب أعمال التجارة عن طريق مصر ، وتوقف المساعدات والمنح مما يعني المزيد من الضرائب وارتفاع اسعار السلع ، وشح وندرة الدقيق ، اضافة لما رشح حول رفع الدعم عن الدقيق والكهرباء.

 

كما جاءت في ظروف اتسعت فيها أشكال وتنوع المقاومة الجماهيرية كما في : المواكب الليلية والاحتفالات والمخاطبات في المدن والأحياء ، والوقفات الاحتجاجية للأطباء والمحامين ضد الانتهاكات ، وانطلاق المواكب الدعائية قبل مليونية 30 ديسمبر ، اضراب العاملين ببنك الخرطوم مطالبين برفع الأجور ، وعودة المفصولين تعسفيا الي العمل ، ، والوقفة الاحتجاجية للصحفيين رفضا للانقلاب واتفاق حمدوك – البرهان ، والوقفة الاحتجاجية لمبادرة استعادة نقابة المهندسين الأربعاء 29 ديسمبر ، واستمرار اضراب اساتذة جامعة الخرطوم لتحسين الهيكل الراتبي ، ومطالبة لجنة المعلمين برفع الحد الأدني للاجور (24) الف جنية ، واضراب تجمع الصاغة والمعدنين وتجار الذهب استنكارا لمطالبة شركة المعادن بالف جنية عن كل جرام ذهب ،. الخ من المقامة الجماهيرية ، مما يتطلب مواصلة الحراك الجماهيري المطلبي جنبا لجنب مع حراك لجان المقاومة في الأحياء، ورفض التدهور الاقتصادي ، وضد فرض المزيد من الضرائب والمزيد من الزيادات في السلع.

 

ولا بديل غير الترتيبات الأمنية بحل قوات الدعم السريع وجيوش الحركات ، وقيام الجيش القومي المهني ، ووضع الدولة يدها علي كل شركات الجيش والأمن والدعم السريع والشرطة ، وتخفيض منصرفات الأمن والدفاع ، وتحسين الأوضاع المعيشية ، وزيادة الانفاق علي التعليم والصحة والدواء ، والتنمية وخدمات المياه والكهرباء ، وتحسين البيئة التي تدهورت ، وتوفير الحماية للمعدنين ومناطقهم من المواد الضارة بالبيئة (السيانيد والزئبق”) ، وسلامة المعدنين من انهيار المناجم ، كما حدث أخيرا في منجم بداني في جنوب غرب كردفان الذي أدي لمصرع أكثر من (38) شخص من عمال المنجم ، علما بأن الذين يعملون في التعدين التقليدي أكثر من مليون شخص ، يتنجون 80% من إنتاج الذهب في السودان ، رغم ذلك يتم تهريب أكثر من 70 % من ذهب السودان!!..

 

اضافة لوقف تدهور الأوضاع الأمنية في دارفور كما في الهجوم علي مقر اليوناميد في الفاشر ونهبه ، وشكوي النازحين في غرب دارفور من طلب حكومة غرب دارفور مليار جنية شهريا مقابل الأمن !! الذي هو مسؤولية الحكومة وحاكم دارفور ، مما يؤكد فشل اتفاق جوبا في تحقيق السلام وحفظ الأمن في دارفور .

 

3 . هذا اضافة لتفاقم الأزمة داخل الانقلاب الدموي وعزلته ، وتلويح رئيس الوزراء حمدوك بالاستقالة ، وتلقيه اتصالات دولية واقليمية لاستمراره كما في : رسالة الأمين العام للأمم المتحدة وفيلتمان المبعوث الأمريكي للقرن الافريقي ، وزير الخارجية السعودي ، الخ.

 

اضافة للتدخل الدولي الكثيف لانقاذ الانقلاب من مصيره المحتوم كما في زيارة مدير الاستخبارات المصري للسودان ، واتصال وزير الخارجية السعودي الذي أكد علي أمن واستقرار السودان لحماية مصالحها ، ومنع أي تحول ديمقراطي في السودان يؤثر علي المنطقة ، ودعم الانقلاب العسكري ، بما في ذلك احتمال عمل انقلاب قصر آخر يستبدل حميدتي والبرهان بعسكريين آخرين يحافظون علي مصالحهم في نهب ثروات البلاد (ذهب ، بترول ، ماشية محاصيل نقدية ، نهب الأراضي ، الخ) ، واستمرار احتلال حلايب وشلاتين وابورماد من قبل مصر ، وضمان استمرار ارسال المرتزقة لحرب اليمن . الخ.، وتشكيل حكومة شراكة جديدة بين المكون المدني والعسكري يحافظ علي مصالحهما ، والتي بدأت ملامحها في خريطة الطريق التي قدمها حزب الأمة التي تهدف حسب التصريح الصحفي الصادر من حزب الأمة بعد مقابلته للبرهان ، الي تحقيق التوافق الوطني دون اقصاء أو عزل لآخر ، وعقد مؤتمر مائدة مستديرة تضم كل القوي السياسية ، والتي تعني العودة للشراكة مع العسكر ، بدلا عن كامل الحكم المدني الديمقراطي، مما يعني إعادة إنتاج الأزمة من جديد .

 

4 . وأخيرا ، ختمت مليونية 30 ديسمبر المقاومة الجماهير الواسعة للنظام العام 2021 ، ليبدأ العام 2022 مع ذكري الاستقلال الذي يتطلب اوسع مشاركة جماهيرية في جداول المليونيات التي خرجت لشهر يناير ، وتوسيع النهوض الجماهيري مع المليونيات بمختلف الأشكال (اضرابات ، مظاهرات ، وقفات احتجاجية ، تحسين الاوضاع المعيشية اعتصامات ، مخاطبات ، ندوات ، احتفالات واسعة بمناسبة الاستقلال ، عرائض ومذكرات ، تنظيم العمل النقابي والقاعدي . الخ) ، ومواصلة التراكم الجماهيري حتى الانتفاضة الشعبية الشاملة والاضراب السياسي العام والعصيان المدني لاسقاط الانقلاب ، وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي ، وبناء أوسع اصطفاف ثوري ، ومركز موحد وميثاقة ووثيقة دستورية جديدة بعد مراجعة أخطاء الماضي وتحديدها حتى لا تتكرر ، وعودة العسكر للثكنات ، لا للشراكة معه ، وقيام الحكم المدني الديمقراطي الذي يحقق مهام الفترة الانتقالية وأهداف الثورة ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.