مهرجــــان كونيغــــــار وأزمــــة الإقليـــــم

0 164
كتب: آدْمُ أجْــــــــــــــرَىْ
.
إقليم جبال النوبة عرفت منها تضاريسها المشاهدة، أما الثقافية والإجتماعية ومترتباتهما فإنها مازالت عصية الإستيعاب بالمستوى الذى يجلب التناغم المنشود. توقعاتها من المركز -الذى لم تختاره يوماً- ليس أكثر من أن يكون مكاناً نظيفاً، ومع ذلك لا يأتى منه إلا أعاصير تغيير وتعرية ثقافية وإضطرار إجتماعى وبكل ما هو سلبى ظهرت آثارها، ما دفعنا للتجاسر بالقول أنها مشروع حضارة مجهضة بالإمكان إيقافها على قدميها وإستئناف السير بها إلى غاياتها الأصلية..
عيد كونيغر فى قرى: نيمانج_أما، له تاريخ موغل فى القدم، وهى واحدة من المظاهر الكثيرة التى بقيت صامدة فى وجه العواصف والتقلبات والإضطرابات الإجتماعية. أفلح فى النجاة حروب قديمة تعود إلى الحقبة التركية وما قبلها، والمهدية، إنهيار الحصون بيد البريطانيين، والثورة الحالية الأطول عمراً. صمدت هذه الإحتفالية حتى فى وجه قاعدة: جبل جبل وكركور كركور، بل أتت له بنتيجة معاكسة تماماً حيث لأول مرة منذ العام ١٩١٧م أمكن إستعادة الحصون.
الضوء الأخضر للشروع فى سلسلة إحتفالات كونيغر، يطلقها سلطان القبيلة -لا علاقة له بالمكوك ولا باقى الإدارات الأهلية – تتوزع الأدوار على أسابيع مرتبة مسبقاً، وتختتم بالمظهر الذى شوهد مؤخراً فى النتل. ما شوهد فيه ليس كل شيئ، ولا أهم شيئ، بل إحتفال بمهمة أمكن إنجازها، قبلها فى الصباح الباكر وبإجتماع جميع أفراد العائلات، تجرى طقوس كونيغار الحقيقية وترفع الدعوات للجميع.
إنها العيد الأرفع شأناً من باقى الأعياد بلا إستثناء، يؤكده حجم المشاركة، لابد من عودة جميع أفراد العائلة من أسفارهم، بعدها يبقى الجميع مستنفرين لإستقبال الضيوف والإعتناء بالغرباء الجميع يحرصون إدخالهم دورهم، والفتيات يجتهدن فى ذلك.
عند الظهيرة يتجه كثيرون إلى حلقة المصارعة التى تشارك فيها القرى بلاعبيها، ولاعبون يأتون من أنحاء متفرقة من جبال النوبة – ينضمون إلى فريق أقرب قرية من القرى الثمانية إليهم، تبدأ المصارعة وتستمر المنافسات لساعات حتى وقت الأصيل، ثم تتشكل حلقات رقص الكرنق وتستمر حتى الليل.
كل شخص فى ذلك اليوم له أهميته، رغم المحاولات المتكررة يصعب حرف المناسبة عن مسارها، السياسة لا تعمل هنا ورجال الدولة يفشلون فى تطويعها، وحيث أن الكل منسجم مع الغرض الذى أتى من أجله، لا تحظى الخطب المنبرية ببريق مهما كانت جودتها ومقام صاحبها.
هذه السيول البشرية الفجائية توفر بيئة صالحة لممارسة الأعمال التجارية، لكن عملاً بقاعدة أن الناس ضيوفهم الذين يفترض تقديم كل خدمة لهم مجاناً، فإنهم يستحيون، يمتنعون ويتركون المهمة للوافدين.
التحديات التى تجاززتها كونيغر – علاوة على ما سبق – كثيرة، منها تحريضات منابر رجال الدين، الصدام مع أحكام الشريعة الإسلامية، تحفظات الكيزان من جانب، ومحاولتهم الإستثمار فيها، ثم تحول مكان الإحتفال- أو جوارها- إلى ساحة مطاحنات حربية، لكنها تجاوزت كل ذلك، وقد كسبت للتو جولة جديدة.
هذا نموذج واحد مع مئات أخرى تقف حجر عثرة أمام إستيعاب الإقليم فى دولة عروبية إسلاموية. ويؤكد لها شيئاً واحداً، إما أنها بحضارتها وثقافاتها جسم غريب يتطلب تعديله وطمس معالمه، أو أن حظها العاثر هو الذى جعلها فى حضن مسخ وليس جزءاً من دولة حقيقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.