ميليشيات الإخوان وتنظيماتهم السرية

0 70

كتب: بابكر فيصل

.

يدعي كثير من قيادات الإخوان المسلمين أن جماعتهم قامت على أساس بعث وتجديد الإسلام والدعوة له بالحسنى، وأنهم طالما سعوا للعمل في أوساط الجماهير بالطرق والوسائل السلمية في الوقت الذي واجهتهم فيه الأنظمة الحاكمة بالقمع والتنكيل، فهل يصمد هذا الادعاء أمام ممارسة الجماعة العملية على أرض الواقع؟

من المؤكد أن المبادئ الفكرية والأسس التنظيمية التي قام عليها بنيان الجماعة تضمنت دعوات صريحة لممارسة العنف تجاه الآخر المُختلِف من أجل إخضاعه لأهداف الإخوان، وقد تجلى هذا الأمر في التجربة العملية للجماعة منذ بواكير نشأتها.

في 7 يناير 1992 أقيمت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب مناظرة تحت عنوان “مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية” شارك فيها الشيخ محمد الغزالي وعضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان مأمون الهضيبي والدكتور محمد عمارة من جانب دعاة الدولة الدينية، في مواجهة الدكتور فرج فودة والدكتور محمد أحمد خلف الله المدافعين عن الدولة المدنية، وقد أدار المناظرة الدكتور سمير سرحان رئيس الهيئة العامة للكتاب حينها.

خلال المناظرة طرح الدكتور فرج فودة التساؤلات التالية على المستشار الهضيبي: (هل أفعال الصبيان الذين ينتسبون للإسلام بالعنف وهو دين الرحمة.. أفعال الصبيان هذه منكم أو ليست منكم؟ سيادة المستشار الهضيبي وهو رجل قانون يقول لنا إذا كان التنظيم السري كان جزءا من فصائلكم أم لا؟ هل تدينونه اليوم أم لا؟ هل مقتل النقراشي ومقتل الخازندار هي بدايات لحل إسلامي صحيح، أم أن الإسلام سيظل دين السلام والرحمة؟ والدين الذي يرفض أن يقتل مسلما ظلما وزورا وبهتانا لمجرد خلاف في رأي).

وفي رده على الدكتور فودة قال المستشار الهضيبي: (أما بقى حاتقولي الإرهاب والجهاز السري فنحن نفخر ونتقرب إلى الله بالجهاز السري).

هذا الرد الحاسم من الهضيبي يوضح بجلاء أن استخدام العنف واغتيال المخالفين يعتبر أمراً أساسياً في فكر الجماعة وهو وسيلة للتقرب لله، وقد أشار الأستاذ محمد الباز في كتابه “المضللون” إلى أن وقع كلمات الهضيبي كان صادماً على أحد قيادات الجماعة ممن حضروا المناظرة وهو المحامي ثروت الخرباوي الذي قال في تعليقه على كلام المستشار حول التنظيم السري:

(أيأتي المستشار مأمون ليقول للعالم أجمع إننا نتعبد لله بأعمالهم؟ كيف هذا وأيم الله؟ لقد أثارت كلماته حيرتي وأدخلت الريبة في نفسي، أي عبادة تلك التي قتلت مسلمين آمنين على أنفسهم؟ في ليلة وضحاها وعلى لسان رجل القضاء الكبير يصبح قتل النقراشي رئيس وزراء مصر عبادة، وكمثل الساحر اللبيب الفطن أو الخطيب البليغ ذرب اللسان يقف المستشار عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان ليبدل الحقائق ويسحر أعين الناس وعقولهم، فتتحول عملية قتل سيد فايز الإخواني، الذي نشأ في معية الجماعة ثم اختلف مع النظام الخاص إلى عبادة نتقرب بها إلى الله).

كان رد المستشار مأمون الهضيبي، إلى جانب أشياء أخرى، سببا في خروج المحامي الخرباوي من صفوف الجماعة، حيث قام بنشر العديد من الكتب الهامة التي كشف فيها الأسرار الداخلية للإخوان وعدم تورعهم عن تشويه الدين وتوظيفه بشتى السبل من أجل الوصول للسلطة.

أما في السودان فقد ظل العنف ملازما لمسيرة الجماعة وتنظيماتها المختلفة (خاصة الطلابية)، كما أنها وصلت للسلطة عبر الانقلاب العسكري، ومارست أسوأ أنواع التعذيب والقمع والتنكيل ضد الخصوم السياسيين طيلة 30 عاما من الحكم.

وعندما خرجت الجماهير في ثورة عارمة ضد حكم الإخوان الفاسد في ديسمبر 2018، كشف الرجل الثاني في الجماعة، علي عثمان محمد طه، أن هناك “كتائب ظل” تحمي النظام، وقال في حوار تلفزيوني شهير:

(الآن هذا النظام تحميه كتائب ومجموعات هي على استعداد للتضحية ليس فقط هي تقف من وراء مؤسسات الدولة، نعم هي التي مطلوب منها أن تقوم بدورها في الحياة المدنية العادية في تسيير دولاب الحياة، ولكن هنالك كتائب ظل كاملة يعرفونها وأحسن أن نقول لهم هي موجودة تدافع عن هذا النظام اذا ما احتاج الأمر لتسيير دولاب العمل، تدافع عن هذا النظام إذا ما احتاج الأمر الى أن تقوم بمهام العمل المدني، تدافع عن هذا النظام حتى إذا احتاج الأمر التضحية بالروح، هذا نظام تحرسه مثل هذا الإرادة وتحرسه من قبل ومن بعد عناية الله سبحانه وتعالى).

احتفظت الجماعة طوال سنوات حكمها بهذه الكتائب المسلحة، وجعلتها تعمل في الظل على الرغم من تطبيقها سياسة التمكين البغيضة التي قامت بموجبها بفصل الآلاف من العاملين بالأجهزة الرسمية من جيش وشرطة وأمن، وزرعت مكانهم الكادر المنتمي للإخوان، وعندما هدرت الملايين في الشوارع مطالبة بسقوط النظام أخرجت الجماعة كتائب الظل المسلحة التي قامت بحصد أرواح المئات من الشباب البريء.

قد بات مؤكدا اليوم أن الجماعة استخدمت أموال الخزينة العامة وموارد الدولة في الصرف على كتائب الظل وتسليحها من أجل قتل الشعب وحماية النظام، ضاربة عرض الحائط بكل القيم والشعارات الدينية التي تتغنى بحرمة المال العام ومراعاة حقوق الناس، وعلى الرغم من ذلك يدعي الرجل الثاني أن نظام حكمهم كانت “تحرسه من قبل ومن بعد عناية الله سبحانه وتعالى”، فتأمل!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.