نسف وهم السيطرة

0 46

كتب: د. النور حمد

.

من أكثر تصورات العلمانية محدوديةً، وربما وضحالةً، الاعتقاد بأنَّ الوجود ظاهرة عشوائية. سيطر هذا التصور على أذهان كثيرين، منذ بزوغ حقبة الحداثة، ومنذ صعود العملوية، وتراجع هيمنة الدين التقليدي على مسارات المعرفة، بسبب بِلَى طروحاته، وخروجها من دائرة التأثير. لكنَّ، الذين يتأملون ترابط النظام الفلكي للكون، وتماسكه، وترابط حياة الأحياء، واعتماديتها على بعضها، في هذه الأنساق الكثيرة، المعقدة، يدركون أن حركة الكون، والطبيعة، ليست عشوائية. فجائحة كورونا، التي ربما وجد فيها بعض الأقوياء، فرصةً لإعادة هندسة العالم، لمصلحة الرأسمال، هي في حقيقتها الخفية تدخلاً من الغيب لإعادة هندسة العقل البشري، الذي ضل طريقه. لقد أجبر هذا الفيروس، العالم، بكل ما فيه من جبروت، متوهَّم، أن يجثو على ركبتيه.

 

تتعرض ذهنية السيطرة بالمال، والغلبة بالسلاح، التي سادت في التاريخ البشري، حتى هذه اللحظة، لاختبارٍ غير مسبوق. هذه الذهنية الضالة، هي التي جعلت البشرية تنفق على التسلح، أضعاف ما تنفق على رفاه الإنسان، وصحته. وهي التي جعلتها تنصرف عن الانشغال، بتحقيق السلام والرفاه للجميع، وإخراج أصقاع الكوكب النائية، من وحل الجهل، والفقر، والمرض. ينفق العالم المعاصر معظم علمه، وموارده، وطاقته، من أجل السيطرة، باختلاق الحروب، وتوزيعها على أرجاء الكوكب. وتتسبب هذه المنظومة الشريرة، المترابطة، التي تغذي بعضها، في تشريد البشر بالملايين، وهي التي تستديم الفقر والتخلف. فجلُّ جهدِ الكوكب، منصرفٌ إلى خلق الشقاء، واستدامته، وليس إلى توفير الغذاء، والدواء، لمن يحتاجونه وتمليك المعرفة لسائر البشر، وتدريبهم على أساليب ترقية الحياة، والحفاظ عليها. عقلية السيطرة والتحكم ينفضح عجزها، بصورةٍ غير مسبوقة، فلجائحة كورونا ما بعدها.

 

سواءً أن كان فيروس كورونا، قد جرت هندسته جينيًا، في معامل الحرب البيولوجية، لينتقل من الحيوانات إلى البشر. وسواء كان ذلك الفعل جزءًا من مؤامرة غربية،لإنقاص سكان العالم، بإبادة كبار السن، أو أن الفيروس أُطلق للجم التقدم الصيني المخيف، نحو مركز الصدارة للقوى العظمى، أو أن ما جرى حدث بصورة طبيعية، بلا تدخل من أحد، فإنَّ جذر المشكلة، يبقى واحداً. هذا الجذر الواحد، هو الخلل في فهم طبيعة علاقة الإنسان بالكون، وعلاقته ببني جنسه، وما ينبغي ما تكونا عليه من التناغم. فسؤال الأخلاق، الذي ركلته الفلسفة الوضعية، وهي تبسِّط، و”تكلفت”، كثيرًا من الأمور، قد عاد يطرح نفسه، بصورةٍ غير مسبوقة. ويمكن القول، إن هذه الجائحة، على فظاعتها، تمثل ضربة البداية، للنقلة التي يخرج بها البشر، من ذهنية الاستحواذ، والحرب، والقهر، والغلبة، والسيطرة، إلى ذهنية التعاون والتعاضد، والتراحم. لقد وضعت هذه الجائحة خطر الموت، عند عتبة كل دار، وخيرًا فعلت. لقد جاء في الذكر الحكيم: “وعسى أن تكرهوا شيئًا، وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا، وهو شرٌّ لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون”.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.